الكافي - الشيخ الكليني - ج ٨ - الصفحة ٣٦٨
معهم ولا يعرف، قال: وكان إخوة إبراهيم (عليه السلام) يعملون الأصنام و يذهبون بها إلى الأسواق ويبيعونها، قال: فذهبت إليه فجاءت به حتى أقعدته على الطريق ومر إخوته فدخل معهم فلما رآه أبوه وقعت عليه المحبة منه فمكث ما شاء الله قال: فبينما إخوته يعملون يوما من الأيام الأصنام إذا أخذ إبراهيم (عليه السلام) القدوم (1) وأخذ خشبة فنجر منها صنما لم يروا قط مثله، فقال آزر لامه: إني لأرجو ا أن نصيب خيرا ببركة ابنك هذا، قال: فبينما هم كذلك إذا أخذ إبراهيم القدوم فكسر الصنم الذي عمله ففزع أبوه من ذلك فزعا شديدا، فقال له: أي شئ عملت؟ فقال له، إبراهيم (عليه السلام)، وما تصنعون به؟ فقال آزر: نعبده، فقال له إبراهيم (عليه السلام): " أتعبدون ما تنحتون "؟
فقال آزر [لامه]: هذا الذي يكون ذهاب ملكنا على يديه.
559 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن حجر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال خالف إبراهيم (عليه السلام) قومه وعاب آلهتهم حتى أدخل على نمرود فخاصمه، فقال: إبراهيم (عليه السلام): " ربي الذي يحيي ويميت قال:
أنا أحيي وأميت " قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين (2) " وقال أبو جعفر (عليه السلام): عاب آلهتهم

(١) - بفتح القاف وضم الدال -: آلة للنحت والنجر.
(٢) البقرة: ٢٥٨. وقوله: " أنا أحيي وأميت " قال الطبرسي - رحمه الله -: أي فقال نمرود: أنا أحيي بالتخلية من الحبس من وجب عليه القتل وأميت بالقتل من شئت أي ممن هو حي وهذا جهل من الكافر لأنه اعتمد في المعارضة على العبارة فقط دون المعنى عادلا عن وجه الحجة بفعل الحياة للميت أو الموت للحي على سبيل الاختراع الذي ينفرد سبحانه به ولا يقدر عليه سواه.
انتهى، أقول: الظاهر من سياق الآية أن المراد من قوله: " أنا أحيي وأميت " أن الرب الذي وصفته بكذا هو أنا. وهذا تلبيس ومغالطة منه. وفي تفسير الميزان: " قوله تعالى ": " قال أنا أحيي و أميت... الآية " أي فأنا ربك الذي وصفته بأنه يحيي ويميت قوله تعالى: قال إبراهيم: " فان الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر... الآية " لما آيس (عليه السلام) من مضى احتجاجه بأن ربه الذي يحيي ويميت، لسوء فهم الخصم وتمويهه وتلبيسه الامر على من حضر عندها عدل عن بيان ما هو مراده من الاحياء والإماتة إلى حجة أخرى، إلا أنه بنى هذه الحجة الثانية على دعوى الخصم في الحجة الأولى كما يدل عليه التفريع بالفاء في قوله: " فان الله... الآية " والمعنى: إن كان الامر كما تقول: إنك ربي ومن شأن الرب أن يتصرف في تدبير أمر هذا النظام الكوني فالله سبحانه يتصرف في الشمس باتيانها من المشرق فتصرف أنت باتيانها من المغرب حتى يتضح انك رب كما أن الله رب كل شئ أو أنك الرب فوق الأرباب فبهت الذي كفر، وإنما فرع الحجة على ما تقدمها لئلا يظن أن الحجة الأولى تمت لنمرود وأنتجت ما ادعاه، ولذلك أيضا قال:
" فان الله " ولم يقل: فان ربي لان الخصم استفاد من قوله " ربي " سوءا وطبقه على نفسه بالمغالطة فأتى (عليه السلام) ثانيا بلفظة الجلالة ليكون مصونا عن مثل التطبيق السابق: وقد مر بيان أن نمرود ما كان يسعه ان يتفوه في مقابل هذه الحجة بشئ دوه أن يبهت فيسكت.
(٣٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 ... » »»
الفهرست