ومفتاح وحيه وسببا لباب رحمته، ابتعثه على حين فتره من الرسل وهدأة من العلم (1) واختلاف من الملل وضلال عن الحق وجهالة بالرب وكفر بالبعث والوعد، أرسله إلى الناس أجمعين رحمة للعالمين بكتاب كريم قد فضله وفصله وبينه وأوضحه وأعزه وحفظه من أن يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه تنزيل من حكيم حميد، ضرب للناس فيه الأمثال وصرف فيه الآيات لعلهم يعقلون، أحل فيه الحلال وحرم فيه الحرام وشرع فيه الدين لعباده عذرا ونذرا لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ويكون بلاغا لقوم عابدين فبلغ رسالته وجاهد في سبيله وعبده حتى أتاه اليقين (صلى الله عليه وآله) تسليما كثيرا.
أوصيكم عباد الله وأوصي نفسي بتقوى الله الذي ابتدأ بدأ الأمور بعلمه وإليه يصير غدا ميعادها وبيده فناؤها وفناؤكم وتصرم أيامكم وفناء آجالكم وانقطاع مدتكم فكأن قد زالت عن قليل عنا وعنكم كما زالت عمن كان قبلكم فاجعلوا عباد الله اجتهادكم في هذه الدنيا التزود من يومها القصير ليوم الآخرة الطويل فإنها دار عمل والآخرة دار القرار والجزاء، فتجافوا عنها فإن المغتر من اغتر بها، لن تعدوا الدنيا إذا تناهت إليها أمنية أهل الرغبة فيها المحبين لها، المطمئنين إليها، المفتونين بها أن تكون كما قال الله عز وجل: " كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والانعام (2) - الآية - " مع أنه لم يصب امرء منكم في هذه الدنيا حبرة إلا أورثته عبرة ولا يصبح فيها في جناح آمن إلا وهو يخاف فيها نزول جائحة (3) أو تغير نعمة أو زوال عافية مع أن الموت من وراء ذلك وهول المطلع والوقوف بين يدي الحكم العدل تجزى كل نفس بما عملت " ليجزي الذين أساؤا بما علموا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ".
فاتقوا الله عز ذكره وسارعوا إلى رضوان الله والعمل بطاعته والتقرب إليه بكل ما فيه الرضا فإنه قريب مجيب، جعلنا الله وإياكم ممن يعمل بمحابه ويجتنب سخطه