بما ترون من حال الفقر والذل، فهلا ألقي عليهما أساورة من ذهب " إعظاما للذهب وجمعه، واحتقارا للصوف ولبسه. ولو أراد الله سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان (1)، ومعادن العقيان، ومغارس الجنان، وأن يحشر معهم طيور السماء ووحوش الأرض لفعل، ولو فعل لسقط البلاء (2)، وبطل الجزاء، واضمحلت الأنباء، ولما وجب للقابلين أجور المبتلين، ولا استحق المؤمنون ثواب المحسنين، ولا لزمت الأسماء معانيها (3). ولكن الله سبحانه جعل رسله أولي قوة في عزائمهم، وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب والعيون
غنى، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذى (4) ولو كانت الأنبياء أهل قوة لا ترام وعزة لا تضام، وملك تمتد نحوه أعناق الرجال، وتشد إليه عقد الرحال لكان ذلك أهون على الخلق
____________________
(1) الذهبان - بضم الذال -: جمع ذهب. والعقيان: نوع من الذهب ينمو في معدنه (2) لو كان الأنبياء بهذه السلطة لخضع لهم الناس كافة بحكم الاضطرار فسقط البلاء أي ما به يتميز الخبيث من الطيب، ولم يبق محل للجزاء على خير أو شر، فإن الفعل اضطراري وبذلك تضمحل أخبار السماء بالوعد والوعيد لعدم الحاجة، ثم لا يكون للقابلين دعوة الأنبياء أجور المبتلين أي الممتحنين بالشدائد الصابرين على المكاره لاستهوائهم مع من قبل بالسطوة (3) فإن الخضوع بالرهبة يسمى إذا ذاك إيمانا مع أن الإيمان في الحقيقة هو الاذعان والتصديق، فلا يكون معنى الاسم لازما له (4) خصاصة: فقر وحاجة