نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٢ - الصفحة ١٤٧
آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه (1)، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، وغاية لملقى رحالهم. تهوي إليه ثمار الأفئدة (2) من مفاوز قفار سحيقة ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتى يهزوا مناكبهم ذللا يهلون لله حوله (3). ويرملون على أقدامهم شعثا غبرا له. قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم (4)، وشوهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم، ابتلاء عظيما وامتحانا شديدا واختبارا مبينا. وتمحيصا بليغا جعله الله سببا لرحمته، ووصلة إلى جنته. ولو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام ومشاعره العظام بين جنات وأنهار، وسهل وقرار (5)، جم الأشجار، داني الثمار، ملتف البنا، متصل القرى، بين برة سمراء (6)، وروضة
____________________
عبارة عن الجمال. والحافر عبارة عن الخيل وما شاكلها. والظلف عبارة عن البقر والغنم، تعبير عن الحيوان بما ركبت عليه قوائمه (1) ثنى عطفه إليه: مال وتوجه إليه. ومنتجع الأسفار: محل الفائدة منها ومكة صارت بفريضة الحج دارا للمنافع التجارية كما هي دار لكسب المنفعة الأخروية. وملقى مصدر ميمي من ألقى أي نهاية حصر حالهم عن ظهور إبلهم (2) تهوى. تسرع سيرا إليه والثمار - جمع ثمرة - والمراد هنا الأرواح. والمفاوز - جمع مفازة - الفلاة لا ماء بها. والسحيقة: البعيدة. والمهاوي - كالهوات - منخفضات الأراضي. والفجاج: الطرق الواسعة بين الجبال (3) يهزوا أي يحركوا مناكبهم أي رؤس أكتفاهم لله يرفعون أصواتهم بالتلبية وذلك في السعي والطواف. والرمل ضرب من السير فوق المشي ودون الجري. والأشعث المنتشر: الشعر مع تلبد فيه.
والأغبر: من علا بدنه الغبار (4) السرابيل: الثياب. وإعفاء الشعور: تركها بلا حلق ولا قص (5) القرار المطمئن من الأرض. وجم الأشجار كثيرها والبنى - جمع بنية بضم الباء وكسرها - ما ابتنيته. وملتف البنى كثير العمران (6) البرة: الحنطة. والسمراء:
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»
الفهرست