" يا أسامة، لا أراك تشفع في حد من حدود الله عز وجل ".
ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا، فقال:
" إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها ".
فقطع يد المخزومية.
وقد ناصر ابن القيم هذا الرأي، واعتبر الجاحد للعارية سارقا بمقتضى الشرع. قال في " زاد المعاد ": فإدخاله صلى الله عليه وسلم جاحد العارية في اسم السارق كإدخاله سائر أنواع المنكرات في الخمر، وذلك تعريف للأمة بمراد الله من كلامه.
وفي الروضة الندية: ان الجاحد للعارية إذا لم يكن سارقا لغة فهو سارق شرعا، والشرع مقدم على اللغة.
قال ابن القيم في أعلام الموقعين: والحكمة والمصلحة ظاهرة جدا، فإن العارية من مصالح بني آدم التي لا بد لهم منها ولا غنى لهم عنها، وهي واجبة عند حاجة المستعير وضرورته إليها إما بأجرة أو مجانا، ولا يمكن الغير كل وقت أن يشهد على العارية، ولا يمكن الاحتراز بمنع العارية شرعا وعادة وعرفا، ولافرق في المعنى بين من توصل إلى أخذ متاع غيره بالسرقة وبين من توصل إليه بالعارية وجحدها، وهذا بخلاف جاحد الوديعة، فإن صاحب المتاع فرط حيث ائتمنه.
النباش:
ومما يجري هذا المجرى من الخلاف: الخلاف في حكم النباش الذي يسرق أكفان الموتى، فذهب الجمهور إلى أن عقوبته قطع يده، لأنه سارق حقيقة، والقبر حرز.
وذهب أبو حنيفة، ومحمد، والأوزاعي، والثوري، إلى أن عقوبته التعزير، لأنه نباش، وليس سارقا، فلا يأخذ حكم السارق، ولأنه أخذ مالا غير مملوك لاحد، لان الميت لا يملك، ولأنه أخذ من غير حرز.