قلت: ومما يشهد لكون النفي هنا بمعنى النهي رواية لمسلم في الحديث الثاني:
(لا تشدوا). ثم قال الحافظ:
(قوله: (إلا إلى ثلاثة مساجد)، الاستثناء مفرغ، والتقدير لا تشد الرحال إلى موضع، ولازمه منع السفر إلى كل موضع غيرها، لان المستثنى منه في المفرغ مقدر بأعم العام، ولكن يمكن أن يكون المراد بالعموم هنا المخصوص، وهو المسجد).
قلت: وهذا الاحتمال ضعيف، والصواب التقدير الأول. لما تقدم في حديث أبي بصرة وابن عمر من إنكار السفر إلى الطور. ويأتي بيانه، ثم قال الحافظ:
(وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد، ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء، ولان الأول، قبلة الناس، وإليه حجهم، والثاني كان قبلة الأمم السالفة، والثالث أسس على التقوى. (قال:) واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتا، وإلى المواضع الفاضلة، لقصد التبرك بها، والصلاة فيها، فقال الشيخ أبو محمد الجويني (1) (يحرم شد الرحال إلى غيرها عملا بظاهر الحديث)، وأشار القاضي حسين إلى اختياره، وبه قال عياض وطائفة، ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار أبي بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور، وقال له: (لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت)، واستدل بهذا الحديث، فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه، ووافقه أبو هريرة. والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم، وأجابوا عن الحديث بأجوبة:
1 - منها أن المراد أن الفضيلة التامة إنما هي شد الرحال إلى هذه المساجد بخلاف غيرها فإنه جائز، وقد وقع في رواية لأحمد سيأتي ذكرها بلفظ: (لا ينبغي للمطي أن تعمل) وهو لفظ ظاهر في غير التحريم.