إليكم نصارى العرب من ربيعة اليمن، فإذا وصلت الامداد واردة سرتم أنتم في قبائلكم وساير من ظافركم (1) وبذل نصره وموازرته لكم حتى تضاهؤون من أنجدكم وأصرخكم من الأجناس والقبائل الواردة عليكم فأموا محمدا حتى تنيخوا (2) به جميعا فسيعتق (3) إليكم وافدا لكم من صبا إليه مغلوبا مقهورا، و ينعق (4) به من كان منهم في مدرته مكثورا، فيوشك أن تصطلموا حوزته، وتطفؤوا جمرته، ويكون لكم بذلك الوجه والمكان في الناس، فلا تتمالك العرب حينئذ حتى تتهافت دخولا في دينكم، ثم لتعظمن بيعتكم هذه، ولتشرفن حتى تصير كالكعبة المحجوجة بتهامة، هذا الرأي فانتهزوه، فلا (5) رأي لكم بعده، فأعجب القوم كلام جهير بن سراقة ووقع منهم كل موقع، فكاد أن يتفرقوا على العمل به وكان فيهم رجل من ربيعة بن نزار من بني قيس بن ثعلبة، يدعى حارثة بن أثال (6) على دين المسيح عليه السلام، فقام حارثة على قدميه وأقبل على جهير وقال متمثلا:
متى ما تقد بالباطل الحق يأبه (7) * وإن قدت بالحق الرواسي تنقد إذا ما أتيت الامر من غير بابه * ضللت وإن تقصد إلى الباب تهتدي ثم استقبل (8) السيد والعاقب والقسيسين والرهبان وكافة نصارى نجران بوجهه لم يخلط معهم غيرهم فقال: سمعا سمعا يا أبناء الحكمة، وبقايا حملة الحجة، إن السعيد والله من نفعته الموعظة، ولم يعش عن التذكرة، ألا وإني أنذركم وأذكركم قول مسيح الله عز وجل، ثم شرح وصيته ونصه على وصيه شمعون بن يوحنا وما يحدث على أمته من الافتراق، ثم ذكر عيسى عليه السلام وقال:
إن الله جل جلاله أوحى إليه فحد يا ابن أمتي كتابي بقوة ثم فسره لأهل سوريا بلسانهم، وأخبرهم أني أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم البديع الدائم الذي لا أحول