وهذا قد اشترى شيئا قد رآه فلا يثبت له الخيار وإن كان قد تغير عن حاله فله الخيار لأنه إذا تغير عن حاله فقد صار شيئا آخر فكان مشتريا شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه ولو اختلفا في التغير وعدمه فقال البائع لم يتغير وقال المشترى قد تغير فالقول قول البائع لان الأصل عدم التغير والتغير عارض فكان البائع متمسكا بالأصل والمشترى مدعيا أمرا عارضا فكان القول قول البائع لكن مع يمينه لان حق الرد أمر يجرى فيه البدل والاقرار فيجرى فيه الاستحلاف ولان المشترى بدعوى التغير يدعى حق الرد والبائع ينكر فكان القول قول المنكر ولو اختلفا فقال البائع للمشترى رأيته وقت الشراء وقال المشترى لم أره فالقول قول المشترى لأن عدم الرؤية أصل والرؤية عارض فكان الظاهر شاهدا للمشترى فكان القول قوله مع يمينه ولان البائع بدعوى الرؤية يدعى عليه الزام العقد والمشترى ينكر فكان القول قوله ولو أراد المشترى الرد فاختلفا فقال البائع ليس هذا الذي بعتك وقال المشترى هو ذاك بعينه فالقول قوله أنه بعينه وكذلك هذا في خيار الشرط بخلاف خيار العيب فان القول قول البائع (ووجه) الفرق ان المشترى في خيار الرؤية والشرط بقوله هذا مالك لا يدعى ثبوت حق الرد عليه لان حق الرد ثابت له حتى يرد عليه من غير قضاء ولا رضا ولكنه يدعى ان هذا الذي قبضه منه فكان اختلافهما في الحقيقة راجعا إلى المقبوض والاختلاف متى وقع في تعيين نفس المقبوض فان القول فيه قول القابض وإن كان قبضه بغير حق كقبض الغصب ففي القبض الحق أولى بخلاف العيب لان المشترى لا ينفرد بالرد في خيار العيب ألا ترى انه لا يملك الرد الا بقضاء القاضي أو التراضي فكان هو بقوله هذا مالك بعينه مدعيا حق الرد في هذا المعين والبائع ينكر ثبوت حق الرد فيه فكان القول قوله هذا إذا كان المشترى بصيرا فاما إذا كان أعمى فشرط ثبوت الخيار له عدم الجس فيما يجس والذوق فيما يذاق والشم فيما يشم والوصف فيما يوصف وقت الشراء لأن هذه الأشياء في حقه بمنزلة الرؤية في حق البصير فكان انعدامها شرطا لثبوت الخيار له فان وجد شئ منه وقت الشراء فاشتراه فلا خيار له وكذا إذا وجدت قبل القبض ثم قبض فلا خيار له لان وجود شئ من ذلك عند القبض في حقه بمنزلة وجوده عند العقد كالرؤية في حق البصير بأن رآه قبل القبض ثم قبضه لان كل ذلك دلالة الرضا بلزوم العقد على ما نذكره إن شاء الله تعالى هذا الذي ذكرنا إذا رأى المشترى كل المبيع وقت الشراء (فاما) إذا رأى بعضه دون البعض فجملة الكلام في جنس هذه المسائل ان المبيع لا يخلو اما أن يكون شيئا واحدا واما أن يكون أشياء فإن كان شيئا واحدا فرأى بعضه لا يخلو (اما) إن كان ما رآه منه مقصودا بنفسه وما لم يره منه تبعا (واما) إن كان كل واحد منهما مقصودا بنفسه فإن كان ما لم يره تبعا لما رآه فلا خيار له سواء كان رؤية ما رآه تفيد له العلم بحال ما لم يره أو لا تفيد لان حكم التبع حكم الأصل فكان رؤية الأصل رؤية التبع وإن كان مقصودا بنفسه ينظر في ذلك أن كان رؤية ما رأى تفيد له العلم بحال ما لم يره فلا خيار له لان المقصود العلم بحال الباقي فكأنه رأى الكل وإن كان لا يفيد له العلم بحال الباقي فله الخيار لان المقصود لم يحصل برؤية ما رأى فكأنه لم ير شيئا منه أصلا فعلى هذا الأصل تخرج المسائل إذا اشترى عبدا أو جارية فرأى وجهه دون سائر أعضائه لا خيار له وإن كانت رؤية الوجه لا تفيد له العلم بما وراءه لان الوجه أصل في الرؤية في بني آدم وسائر الأعضاء تبع له فيها ولو رأى سائر أعضائه دون الوجه فله الخيار لان رؤية التبع لا تكون رؤية الأصل فكأنه لم ير شيئا منه ولو اشترى فرسا أو بغلا أو حمارا أو نحو ذلك فرأى وجهه لا غير روى ابن سماعة عن محمد انه يسقط خياره وسوى بينه وبين الرقيق وروى عن أبي يوسف ان له الخيار ما لم ير وجهه ومؤخره وهو الصحيح لان الوجه والكفل كل واحد منهما عضو مقصود في الرؤية في هذا الجنس فما لم يرهما فهو على خياره وان اشترى شاة فإن كانت نعجة حلوبا اشتراها للقنية أو اشترى بقرة حلوبا أو ناقة حلوبا اشتراها للقنية لا بد من النظر إلى ضرعها وان اشترى شاة للحم لا بد من الجس حتى لو رآها من بعيد فهو على خياره لان اللحم مقصود من شاة اللحم والضرع مقصود من الحلوب والرؤية من بعيد لا تفيد العلم بهذين المقصودين والله عز وجل أعلم (وأما) البسط فإن كان مما يختلف وجهه وظهره فرأى وجهه دون ظهره كالمغافر ونحوها لا خيار له وان رأى الظهر دون الوجه فله الخيار كذا
(٢٩٣)