الثابت شرعا لا شرطا فهو خيار الرؤية والكلام فيه في مواضع في بيان شرعية البيع الذي فيه خيار الرؤية وفي بيان صفته وفي بيان حكمه وفي بيان شرائط ثبوت الخيار وفي بيان وقت ثبوته وفي بيان كيفية ثبوته وفي بيان ما يسقط به الخيار بعد ثبوته ويلزم البيع وما لا يسقط ولا يلزم (أما) الكلام في شرعيته فقد مر في موضعه (وأما) صفته فهي ان شراء ما لم يره المشترى غير لازم لأن عدم الرؤية يمنع تمام الصفقة لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه ولان جهالة الوصف تؤثر في الرضا فتوجب خللا فيه واختلال الرضا في البيع يوجب الخيار ولان من الجائز اعتراض الندم لما عسى لا يصلح له إذا رآه فيحتاج إلى التدارك فيثبت الخيار لامكان التدارك عند الندم نظرا له كما ثبت خيار الرجعة شرعا نظرا للزوج تمكينا له من التدارك عند الندم كما قال تبارك وتعالى لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا (وأما) بيع ما لم يره البائع فهل يلزم روى عن أبي حنيفة رحمه الله انه كأن يقول أولا لا يلزم ويثبت له الخيار ثم رجع وقال يلزم ولا يثبت له الخيار (وجه) قوله الأول ان ما ثبت له في شراء ما لم يره المشترى وهو ما ذكرنا من المعاني موجود في بيع ما لم يره البائع فورود الشرع بالخيار ثمة يكون ورودا ههنا دلالة (وجه) قوله الآخر ما روى أن سيدنا عثمان بن سيدنا عفان رضي الله عنهما باع أرضا له من طلحة بن عبد الله رضي الله عنهما ولم يكونا رأياها فقيل لسيدنا عثمان رضي الله عنه غبنت فقال لي الخيار لأني بعت ما لم أره وقيل لطلحة مثل ذلك فقال لي الخيار لأني اشتريت ما لم أره فحكما في ذلك جبير بن مطعم فقضى بالخيار لطلحة رضي الله عنه وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكر عليه أحد منهم فكان اجماعا منهم على ذلك والاعتبار بجانب المشترى ليس بسديد لان مشترى ما لم يره مشترى على أنه خير مما ظنه فيكون بمنزلة مشترى شئ على أنه جيد فإذا هو ردئ ومن اشترى شيئا على أنه جيد فإذا هو ردئ فله الخيار وبائع شئ لم يره يبيع على أنه أدون مما ظنه فكان بمنزلة بائع شئ على أنه ردئ فإذا هو جيد ومن باع شيئا على أنه ردئ فإذا هو جيد لا خيار للبائع فلهذا افترقا (وأما) حكمه فحكم المبيع الذي لا خيار فيه وهو ثبوت الحل للمشترى في المبيع وثبوت الملك للبائع في الثمن للحال لان ركن البيع صدر مطلقا عن شرط كان ينبغي ان يلزم الا انه ثبت الخيار شرعا لا شرطا بخلاف البيع بشرط الخيار لان الخيار ثبت بنص كلام العاقدين فأثر في الركن بالمنع من الانعقاد في حق الحكم على ما مر والله عز وجل أعلم (وأما) شرائط ثبوت الخيار (فمنها) أن يكون المبيع مما يتعين بالتعيين فإن كان مما لا يتعين بالتعيين لا يثبت فيه الخيار حتى أنهما لو تبايعا عينا بعين يثبت الخيار لكل واحد منهما ولو تبايعا دينا بدين لا يثبت الخيار لواحد منهما ولو اشترى عينا بدين فللمشتري الخيار ولا خيار للبائع وإنما كان كذلك لأن المبيع إذا كان مما لا يتعين بالتعيين لا ينفسخ العقد برده لأنه إذا لم يتعين للعقد لا يتعين للفسخ فيبقى العقد وقيام العقد يقتضى ثبوت حق المطالبة بمثله فإذا قبض يرده هكذا إلى ما لا نهاية له فلم يكن الرد مفيدا بخلاف ما إذا كان عينا لأن العقد ينفسخ برده لأنه يتعين بالعقد فيتعين في الفسخ أيضا فكان الرد مفيدا ولان الفسخ إنما يرد على المملوك بالعقد وما لا يتعين بالتعيين لا يملك بالعقد وإنما يملك بالقبض فلا يرد عليه الفسخ ولهذا يثبت خيار الرؤية في الإجارة والصلح عن دعوى المال والقسمة ونحو ذلك لأن هذه العقود تنفسخ برد هذه الأشياء فيثبت فيها خيار الرؤية ولا يثبت في المهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد ونحو ذلك لأن هذه العقود لا تحتمل الانفساخ برد هذه الأموال فصار الأصل ان كل ما ينفسخ العقد فيه برده يثبت فيه خيار الرؤية وما لا فلا والفقه ما ذكرنا والله عز وجل أعلم (ومنها) عدم الرؤية فان اشتراه وهو يراه فلا خيار له لان الأصل هو لزوم العقد وانبرامه لان ركن العقد وجد مطلقا عن شرط الا أنا عرفنا ثبوت الخيار شرعا بالنص والنص ورد بالخيار فيما لم يره المشترى لقوله عليه الصلاة والسلام من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه فبقي الخيار عند الرؤية مبقيا على الأصل وإن كان المشترى لم يره وقت الشراء ولكن كان قد رآه قبل ذلك نظر في ذلك إن كان المبيع وقت الشراء على حاله التي كان عليها لم تتغير فلا خيار له لان الخيار ثبت معدولا به عن الأصل بالنص الوارد في شراء ما لم يره
(٢٩٢)