لا خيار له لان الرؤية من الخارج تفيد العلم بالداخل فكأنه رآه وهو خارج وروى عنه ان له الخيار لان العلم بما في داخل القارورة لا يحصل بالرؤية من خارج القارورة لان ما في الداخل يتلون بلون القارورة فلا يحصل المقصود من هذه الرؤية وقالوا في المشترى إذا رأى المبيع في المرآة ان له الخيار وكذا في الماء وقالوا لأنه لم ير عينه وإنما رأى مثاله والصحيح انه رأى عين المبيع لا ان غير المبيع في المرآة والماء بل يراه حيث هو لكن لا على الوجه المعتاد بخلق الله تعالى فيه الرؤية وهذا ليس ببعيد لان المقابلة ليست من شرط الرؤية فانا نرى الله تعالى عز شأنه بلا مقابلة ولكن قد لا يحصل له العلم بهيئته لتفاوت المرآة فيعلم بأصله لا بهيئته فلذلك يثبت له الخيار لا لما قالوا والله عز وجل أعلم على أن في العرف لا يشترى الانسان شيئا لم يره ليراه في المرأة أو في الماء ليحصل له العلم بهذا الطريق فلا تكون رؤيته في المرآة وان رأى عينه مسقطة للخيار وعلى هذا قالوا فيمن رأى فرج أم امرأته في الماء أو في المرآة فنظر إليه بشهوة لا تثبت له حرمة المصاهرة وكذا لا يصير مراجعا للمرأة المطلقة طلاقا رجعيا لما قلنا ولو اشترى سمكا في دائرة يمكن أخذه من غير اصطياد وحيلة حتى جاز البيع فرآه في الماء ثم أخذه قال بعضهم لا خيار له لأنه رأى عين السمك في الماء وقال بعضهم له الخيار لان ما رآه كما هو لان الشئ لا يرى في الماء كما هو بل يرى أكثر مما هو فلم يحصل المقصود بهذه الرؤية وهو معرفته كما هو فله الخيار (وأما) بيان وقت ثبوت الخيار فوقت ثبوت الخيار هو وقت الرؤية لا قبلها حتى لو أجاز قبل الرؤية ورضى به صريحا بأن قال أجزت أو رضيت أو ما يجرى هذا المجرى ثم رآه له أن يرده لما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام انه أثبت الخيار للمشترى بعد الرؤية فلو ثبت له خيار الإجازة قبل الرؤية وأجاز لم يثبت له الخيار بعد الرؤية وهذا خلاف النص ولان المعقود عليه قبل الرؤية مجهول الوصف والرضا بالشئ قبل العلم به والعلم بوجود سببه محال فكان ملحقا بالعدم (وأما) الفسخ قبل الرؤية فقد اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يجوز لأنه لا خيار قبل الرؤية ولهذا لم تجز الإجازة فلا يجوز الفسخ وقال بعضهم يجوز وهو الصحيح لان هذا عقد غير لازم فكان محل الفسخ كالعقد الذي فيه خيار العيب وعقد الإعارة والايداع وقد خرج الجواب عن قولهم إنه لا خيار قبل الرؤية لان ملك الفسخ لم يثبت حكما للخيار وإنما يثبت حكما لعدم لزوم العقد والله عز وجل أعلم (وأما) بيان كيفية ثبوت الخيار فقد اختلف المشايخ فيه قال بعضهم ان خيار الرؤية بعد الرؤية يثبت مطلقا في جميع العمر إلى أن يوجد ما يبطله فيبطل حينئذ والا فيبقى على حاله ولا يتوقف بامكان الفسخ وهو اختيار الكرخي لان سبب ثبوت هذا الخيار هو اختلال الرضا والحكم يبقى ما بقي سببه وقال بعضهم انه يثبت موقتا إلى غاية امكان الفسخ بعد الرؤية حتى لو رآه وأمكنه الفسخ ولم يفسخ يسقط خياره وان لم توجد الأسباب المسقطة للخيار على ما نذكرها إن شاء الله تعالى لان من الأسباب المسقطة للخيار الرضا والإجازة والامتناع من الفسخ بعد الامكان دليل الإجازة والرضا والله عز وجل أعلم (وأما) بيان ما يسقط بالخيار بعد ثبوته ويلزم البيع وما لا يسقط ولا يلزم فنقول وبالله التوفيق ما يسقط به الخيار بعد ثبوته ويلزم البيع في الأصل نوعان اختياري وضروري والاختياري نوعان صريح وما يجرى مجرى الصريح ودلالة (أما) الصريح وما في معناه فنحو أن يقول أجزت البيع أو رضيت أو اخترت أو ما يجرى هذا المجرى سواء علم البائع بالإجازة أو لم يعلم لان الأصل في البيع المطلق هو اللزوم والامتناع لخلل في الرضا فإذا أجاز ورضى فقد زال المانع فيلزم (وأما) الدلالة فهو أن يوجد من المشترى تصرف في المبيع بعد الرؤية يدل على الإجازة والرضا نحو ما إذا قبضه بعد الرؤية لان القبض بعد الرؤية دليل الرضا بلزوم البيع لان للقبض شبها بالعقد فكان القبض بعد الرؤية كالعقد بعد الرؤية وذاك دليل الرضا كذا هذا وسواء قبضه بنفسه أو وكيله بالقبض بأن قبضه الوكيل وهو ينظر إليه وكانت رؤيته كرؤية الموكل عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد لا يسقط خياره بقبض الوكيل مع رؤيته ولقب المسألة ان الوكيل بالقبض يملك اسقاط خيار الرؤية عنده وعندهما لا يملك وأجمعوا على أن الرسول بالقبض لا يملك وأجمعوا على أن الوكيل بالشراء يملك وكانت رؤيته رؤية الموكل وأجمعوا على أن الرسول بالشراء
(٢٩٥)