لو أنشق بطنه أو انقطع رأسه فالظاهر أن موته بهذا السبب لا بالرمي فكان احتمال موته بالرمي احتمال خلاف الظاهر فلا يعتبر وإذا لم ينشق ولم ينقطع فموته بكل واحد من السببين محتمل احتمالا على السواء الا أن التحرز غير ممكن فسقط اعتبار موته بسبب العارض ويجوز أن يكون المذكور في المنتقى تفسيرا لما ذكر في الأصل فيكون معناه أنه يؤكل إذا لم ينشق بطنه أو لم ينقطع رأسه فيحمل المطلق على المقيد ويجعل المقيد بيانا للمطلق عند تعذر العمل بهما ولو وقع على حرف آجرة أو حرف حجر ثم وقع على الأرض فمات لم يؤكل لما قلنا ولو كانت الآجرة منطرحة على الأرض فوقع عليها ثم مات أكل لان الآجرة المنطرحة كالأرض فوقوعه عليها كوقوعه على الأرض ولو وقع على جبل فمات عليه أكل لان استقراره على الجبل كاستقراره على الأرض وذكر في المنتقى عن أبي يوسف رحمه الله لو رمى صيدا على قلة جبل فأثخنه حتى صار لا يتحرك ولم يستطع أن يأخذه فرماه فقتله ووقع لم يأكله لأنه خرج عن كونه صيد بالرمي الأول لخروجه عن حد الامتناع فالرمي الثاني لم يصادف صيدا فلم يكن ذكاة له فلا يؤكل وعلى هذا يخرج ما إذا اجتمع على الصيد معلم وغير معلم أو مسمى عليه وغير مسمى انه لا يؤكل لاجتماع سببي الحظر والإباحة ولم يعلم أيهما قتله ولو أرسل مسلم كلبه فاتبع الكلب كلب آخر غير معلم لكنه لم يرسله أحد ولم يزجره بعد انبعاثه أو سبع من السباع أو ذو مخلب من الطير مما يجوز ان يعلم فيصاد به فرد الصيد عليه ونهشه أو فعل ما يكون معونة للكلب المرسل فاخذه الكلب المرسل وقتله لا يؤكل لان رد الكلب ونهشه مشاركة في الصيد فأشبه مشاركة المعلم غير المعلم والمسمى عليه غير المسمى عليه بخلاف ما إذا رد عليه آدمي أو بقرة أو حمار أو فرس أو ضب لان فعل هؤلاء ليس من باب الاصطياد فلا يزاحم الاصطياد في الإباحة فكان ملحقا بالعدم فان تبع الكلب الأول كلب غير معلم ولم يرد عليه ولم يهيب الصيد ولكنه اشتد عليه وكان الذي أخذ وقتل الكلب المعلم لا بأس بأكله لأنهما ما اشتركا في الاصطياد لعدم المعاونة فيحل أكله والله جل شأنه أعلم (ومنها) أن يلحق المرسل أو الرامي الصيد أو من يقوم مقامه قبل التواري عن عينه أو قبل انقطاع الطلب منه إذا لم يدرك ذبحه فان توارى عن عينه وقعد عن طلبه ثم وجده لم يؤكل فاما إذا لم يتوار عنه أو توارى لكنه لم يقعد عن الطلب حتى وجده يؤكل استحسانا والقياس انه لا يؤكل (وجه) القياس انه يحتمل ان الصيد مات من جراحة كلبه أو من سهمه ويحتمل انه مات بسبب آخر فلا يحل أكله بالشك (وجه) الاستحسان ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالروحاء على حمار وحش عقير فتبادر أصحابه إليه فقال دعوه فسيأتي صاحبه فجاء رجل من فهر فقال هذه رميتي يا رسول الله وأنا في طلبها وقد جعلتها لك فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا أبا بكر رضي الله عنه فقسمه بين الرفاق ولان الضرورة توجب ذلك لان هذا مما لا يمكن الاحتراز عنه في الصيد فان العادة ان السهم إذا وقع بالصيد تحامل فغاب وإذا أصاب الكلب الخوف منه غاب فلو اعتبرنا ذلك لأدى ذلك إلى انسداد باب الصيد ووقوع الصيادين في الحرج فسقط اعتبار الغيبة التي لا يمكن التحرز عنها إذا لم يوجد من الصائد تفريط في الطلب لمكان الضرورة والحرج وعند قعوده في الطلب لا ضرورة فيعمل بالقياس وقد روى أن رجلا أهدى إلى النبي عليه الصلاة والسلام صيدا فقال له من أين لك هذا فقال رميته بالأمس وكنت في طلبه حتى هجم على الليل فقطعني عنه ثم وجدته اليوم ومزراقى فيه فقال عليه الصلاة والسلام انه غاب عنك ولا أدرى لعل بعض الهوام أعانك عليه لا حاجة لي فيه بين عليه الصلاة والسلام الحكم وعلة الحكم وهو ما ذكرنا من احتمال موته بسبب آخر وهذا المعنى لا يتحقق فيه إذا لم يقعد عن الطلب وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما انه سئل عن ذلك فقال كل ما أصميت ودع ما أنميت قال أبو يوسف رحمه الله الاصماء ما عاينه والانماء ما توارى عنه وقال هشام عن محمد رحمه الله الاصماء ما لم يتوار عن بصرك والانماء ما توارى عن بصرك الا أنه أقيم الطلب مقام البصر للضرورة ولا ضرورة عند عدم الطلب ولأنه إذا قعد عن طلبه فمن الجائز انه لو كان طلبه لأدركه حيا فيخرج الجرح من أن يكون ذكاة فلا يحل بالشك بخلاف ما إذا لم يقعد عن طلبه لأنه لم يدركه حيا فبقي الجرح ذكاة له والله تعالى عز وجل أعلم وأما
(٥٩)