ما يستحب من الذكاة وما يكره منها (فمنها) ان المستحب أن يكون الذبيح بالنهار ويكره بالليل والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه نهى عن الأضحى ليلا وعن الحصاد ليلا وهو كراهة تنزيه ومعنى الكراهة يحتمل أن يكون لوجوه أحدها ان الليل وقت أمن وسكون وراحة فايصال الألم في وقت الراحة يكون أشد والثاني انه لا يأمن من أن يخطئ فيقطع يده ولهذا كره الحصاد بالليل والثالث ان العروق المشروطة في الذبح لا تتبين في الليل فربما لا يستوفى قطعها (ومنها) انه يستحب في الذبح حالة الاختيار أن يكون ذلك بآلة حادة من الحديد كالسكين والسيف ونحو ذلك ويكره بغير الحديد وبالكليل من الحديد لان السنة في ذبح الحيوان ما كان أسهل على الحيوان وأقرب إلى راحته والأصل فيه ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله تعالى عز شأنه كتب الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته وفى بعض الروايات وليشد قوائمه وليلقه على شقه الأيسر وليوجهه نحو القبلة وليسم الله تعالى عليه والذبح بما قلنا أسهل على الحيوان وأقرب إلى راحته (ومنها) التذفيف في قطع الأوداج ويكره الابطاء فيه لما روينا عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال وليرح ذبيحته والاسراع نوع راحة له (ومنها) الذبح في الشاة والبقرة والنحر في الإبل ويكره القلب من ذلك لما ذكرنا فيما تقدم والله عز شأنه اعلم ومنهم أن يكون ذلك من قبل الحلقوم ويكره من قبل القفا لما مر (ومنها) قطع الأوداج كلها ويكره قطع البعض دون البعض لما فيه من ابطاء فوات حياته (ومنها) الاكتفاء بقطع الأوداج ولا يبلغ به النخاع وهو العرق الأبيض الذي يكون في عظم الرقبة ولا يبان الرأس ولو فعل ذلك يكره لما فيه من زيادة ايلام من غير حاجة إليها وفى الحديث ألا لا تنخعوا الذبيحة والنخع القتل الشديد حتى يبلغ النخاع (ومنها) أن يكون الذابح مستقبل القبلة والذبيحة موجهة إلى القبلة لما روينا ولما روى أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا ذبحوا استقبلوا القبلة فإنه روى عن الشعبي أنه قال كانوا يستحبون ان يستقبلوا بالذبيحة القبلة وقوله كانوا كناية عن الصحابة رضي الله عنهم ومثله لا يكذب ولان المشركين كانوا يستقبلون بذبائحهم إلى الأوثان فتستحب مخالفتهم في ذلك باستقبال القبلة التي هي جهة الرغبة إلى طاعة الله عز شأنه ويكره أن يقول عند الذبح اللهم تقبل من فلان وإنما يقول ذلك بعد الفراغ من الذبح أو قبل الاشتغال بالذبح هكذا روى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله عن حماد عن إبراهيم وكذلك قال أبو يوسف أدع بالتقبل قبل الذبح ان شئت أو بعده وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال موطنان لا أذكر فيهما عند العطاس وعند الذبح وروينا عن ابن مسعود رضى عنهما أنه قال جردوا التسمية عند الذبح ولو قال ذلك لا تحرم الذبيحة لأنه ما ذكر اسم غير الله عز شأنه على سبيل الاشراك لكنه يكره لتركه التجريد من حيث الصورة فان قيل أليس انه روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أحدهما عن نفسه والآخر عن أمته فالجواب انه ليس فيه انه ذكر مع اسم الله تعالى جل شأنه نفسه عليه الصلاة والسلام أو أمته فيحتمل انه ضحى أحدهما وذكر اسم الله تعالى ونوى بقلبه أن يكون عنه وضحى الآخر وذكر اسم الله تعالى ونوى بقلبه أن يكون عن أمته وهذا لا يوجب الكراهة ويكره له بعد الذبح قبل أن تبرد أن ينخعها أيضا وهو أن ينحرها حتى يبلغ النخاع وأن يسلخها قبل أن تبرد لان فيه زيادة ايلام لا حاجة إليها فان نخع أو سلخ قبل أن تبرد فلا بأس بأكلها لوجود الذبح بشرائطه ويكره جرها برجلها إلى المذبح لأنه الحاق زيادة ألم بها من غير حاجة إليها في الذكاة وروى عن ابن سيرين عن سيدنا عمر رضي الله عنهما أنه رأى رجلا يسوق شاة ليذبحها سوقا عنيفا فضربه بالدرة ثم قال له سقها إلى الموت سوقا جميلا لا أم لك ويكره أن يضجعها ويحد الشفرة بين يديها لما روى أن رسول الله صلى اله عليه وسلم رأى رجلا أضجع شاة وهو يحد الشفرة وهي تلاحظه فقال عليه الصلاة والسلام أوددت أن تميتها موتات الا حددت الشفرة قبل أن تضجعها وروى عن سيدنا عمر رضي الله عنه انه رأى رجلا وقد أضجع شاة ووضع رجله على صفحة وجهها وهو يحد الشفرة فضربه
(٦٠)