لشبعه في الحال إذ غير المعلم قد يمسكه بشبعه للحال إلى وقت الحاجة فاستدللنا بأكله بعد ذلك على أن امساكه في الوقت الذي قبله كان على غير حقيقة التعليم أو يحتمل ذلك فلا تحل مع الاحتمال احتياطا ومن المشايخ من حمل جواب أبي حنيفة رحمه الله على ما إذا كان زمان الاكل قريبا من زمان التعليم لأنه إذا كان كذلك فالاكل يدل على عدم التعلم وانه إنما ترك الأكل فيما تقدم للشبع لا للتعليم لان المدة القصيرة لا تتحمل النسيان في مثلها فإذا طالت المدة فيجوز أن يقال إنه يؤكل ما بقي من الصيود المتقدمة لأنه يحتمل أن يكون الاكل للنسيان لا لعدم التعلم لوجود مدة لا يندر النسيان في مثلها الا أن ظاهر الرواية عنه مطلق عن هذا التفصيل واطلاق الرواية يقتضى أنه لا يؤكل على كل حال والوجه ما ذكرنا وأما قولهم إن النسيان لا يندر عند طول المدة فنقول من تعلم حرفة بتمامها وكمالها فالظاهر أنه لا ينساها بالكلية وان طالت مدة عدم الاستعمال لكن ربما يدخلها خلل كصنعة الكتابة والخياطة والرمي إذا تركها صاحبها مدة طويلة فلما أكل وحرفته ترك الأكل دل انه لم يكن تعلم الحرفة من الأصل وانه إنما لم يأكل قبل ذلك لا للتعلم بل لشبعه في الحال فلا تحل صيوده المتقدمة وأما في المستقبل فلا يحل صيده الا بتعليم مستأنف بلا خلاف فاما على قول أبي حنيفة رضى اله عنه فلانه تبين بالاكل انه لم يكن معلما وان ترك الأكل لم يكن للتعلم بل لشبعه للحال وأما على قولهما فلانه يحتمل أن يكون لم يتعلم كما قال أبو حنيفة رحمه الله ويحتمل انه نسي وكيف ما كان لا يحل صيده في المستقبل الا بتعليم مبتدأ وتعليمه في الثاني بما به تعليمه في الأول وقد ذكرنا الاختلاف فيه ولو جرح الكلب الصيد وولغ في دمه يؤكل لأنه قد امسك الصيد على صاحبه وإنما لو ولغ فيما أمسك على صاحبه لكان لا يأكله صاحبه وذلك من غاية تعلمه حيث تناول الخبيث وأمسك الطيب على صاحبه وذكر في الأصل في رجل أرسل كلبه على صيد وهو معلم فأخذ صيدا فقتله وأكل منه ثم اتبع آخر فقتله ولم يأكل منه قال لا يؤكل واحد منهما لأنه لما أكل دل على عدم التعلم أو على النسيان فلا يحل صيده بعد ذلك فان اخذ الكلب المعلم صيدا فأخذه منه صاحبه وأخذ صاحب الكلب من الصيد قطعة فألقاها إلى الكلب فأكلها الكلب فهو على تعلمه لان ترك الأكل إنما يعتبر حال أخذه الصيد فاكله باطعام صاحبه بعد الاخذ لا يقدح في التعلم مع ما ان من عادة الصائد بالكلب انه إذا أخذ الكلب الصيد أن يطعمه من لحمه ترغيبا له على الصيد فلا يكون أكله باطعامه دليلا على عدم التعلم وكذلك لو كان صاحب الكلب أخذ الصيد من الكلب ثم وثب الكلب على الصيد فأخذ منه قطعة فأكلها وهو في يد صاحبه فإنه على تعلمه لان الاكل بعد ثبوت يد الادمى عليه بمنزلة الاكل من غيره فلا يقدح في التعليم وكذلك قالوا لو سرق الكلب من الصيد بعد دفعه إلى صاحبه لأنه إنما يفعل ذلك للجوع لان هذا الاكل لم يدخل في التعليم وان أرسل الكلب المعلم على صيد فتبعه فنهشه فقطع منه قطعة فأكلها ثم اخذ الصيد بعد ذلك فقتله ولم يأكل منه شيئا لا يؤكل لان الاكل منه في حال الاصطياد دليل على عدم التعلم فان نهشه فألقى منه بضعة والصيد حي ثم اتبع الصيد بعد ذلك فأخذه فقتله ولم يأكل منه شيئا يؤكل لأنه لم يوجد منه ما يدل على عدم التعليم لأنه إنما قطع قطعة منه ليثخنه فيتوصل به إلى اخذه فكان بمنزلة الجرح وان اخذ صاحب الكلب الصيد من الكلب بعد ما قطعه ثم رجع الكلب بعد ذلك فمر بتلك القطعة فأكلها يؤكل صيده لأنه لو أكل من نفس الصيد في هذه الحالة لا يضر فإذا أكل مما بان منه أولى وان اتبع الصيد فنهشه فأخذ منه بضعة فأكلها وهو حي فانفلت الصيد منه ثم أخذ الكلب صيدا آخر في فوره فقتله ولم يأكل منه ذكر في الأصل وقال أكره أكله لان الاكل في حالة الاصطياد يدل على عدم التعليم فلا يؤكل ما اصطاده بعده والله تعالى عز شأنه أعلم وأما تعليم ذي المخلب كالبازي أو نحوه فهو أن يجيب صاحبه إذا دعاه ولا يشترط فيه الامساك على صاحبه حتى لو أخذ الصيد فأكل منه فلا بأس بأكل صيده بخلاف الكلب ونحوه والفرق من وجوه أحدها ان التعلم بترك العادة والطبع والبازي من عادته التوحش من الناس والتنفر منهم بطبعه فألفه بالناس واجابته صاحبه إذا دعاه يكفي دليلا على تعلمه بخلاف الكلب فإنه ألوف بطبعه يألف بالناس ولا يتوحش منهم فلا يكفي هذا القدر دليل التعلم في حقه فلا بد من زيادة أمر وهو ترك
(٥٤)