لا يؤكل كذا هذا فإن لم ترده الريح عن وجهه ذلك أكل الصيد لأنه إذا مضى في وجهه كان مضيه بقوة الرامي وإنما الريح اعانته ومعونة الريح السهم مما لا يمكن الاحتراز عنه فكان ملحقا بالعدم فان أصابت الريح السهم وهي ريح شديدة فدفعته لكنه لم يتغير عن وجهه فأصاب السهم الصيد فإنه يؤكل لأنه مضى في وجهه ومعونة الريح إذا لم تعدل السهم عن وجهه لا يمكن التحرز عنه فلا يعتبر ولو أصاب السهم حائطا أو صخرة فرجع فأصاب صيدا فإنه لا يؤكل لان فعل الرامي انقطع وصارت الإصابة في غير جهة الرمي فان مر السهم بين الشجر فجعل يصيب الشجر في ذلك الوجه لكن السهم على سننه فأصاب صيدا فقتله فإنه يؤكل فان رده شئ من الشجر يمنة أو يسرة لا يؤكل لما بينا فان مر السهم فحجشه حائط وهو على سننه ذلك فأصاب صيدا فقلته أكل لان فعل الرامي لم ينقطع وأنما أصاب السهم الصيد والحائط وذلك لا يمنع الحل وروى عن أبي يوسف رحمه الله ان حكم الارسال لا ينقطع بالتغيير عن سننه يمينا وشمالا الا إذا رجع من ورائه ولو أن رجلا رمى بسهم وسمى ثم رمى رجل آخر بسهم وسمى فأصاب السهم الأول السهم الثاني قبل أن يصيب الصيد فرده عن وجهه ذلك فأصاب صيد فقتله فإنه لا يؤكل لأنه لما رده السهم الثاني عن سننه انقطع حكم الرمي فلا يتعلق به الحل قال القدوري وهذا محمول على أن الرامي الثاني لم يقصد الاصطياد لان القتل حصل بفعله وهو لم يقصد الاصطياد فلا يحل فاما إذا كان الثاني رمى للاصطياد فيحل أكل الصيد وهو للثاني لأنه مات بفعله وان لم يقصده بالرمي وتعيين المرمى إليه ليس بشرط ولو أن رجلين رمى كل واحد منهما صيدا بسهم فأصابا الصيد جميعا ووقعت الرميتان بالصيد معا فمات فإنه لهما ويؤكل (أما) حل الاكل فظاهر (وأما) كون الصيد لهما فلأنهما اشتركا في سبب الاستحقاق وتساويا فيه فيتساويان في الاستحقاق فان أصابه سهم الأول فوقذه ثم أصابه سهم الآخر فقتله قال أبو يوسف رحمه الله يؤكل والصيد للأول وقال زفر رحمه الله لا يؤكل وهذا فرع اختلافهم في أن المعتبر في الرمي حال الرمي أو حال الإصابة فعند أصحابنا الثلاثة المعتبر حال الرمي وعند زفر حال الإصابة (ووجه) البناء على هذا الأصل ان المعتبر لما كان حال الرمي عندنا فقد وجد الرمي منهما والصيد ممتنع فلا يتعلق بالسهم الثاني حظر الا ان الملك للأول لان سهمه أخرجه من حيز الامتناع فصار السهم الثاني كأنه وقع بصيد مملوك فلا يستحق به شئ فكان الاعتبار بحال الرمي في حق الحل والإصابة في حق الملك لان الحل يتعلق بالفعل والملك يتعلق بالمحل ولما كان الاعتبار بحال الإصابة عنده فقد أصابه الثاني والصيد غير ممتنع فصار كمن رمى إلى شاة فقتلها (وجه) قول زفر رحمه الله الاعتبار حال الإصابة ان الملك يقف ثبوته على الإصابة فإنه لو لم يصب لا يملك فدل ان المعتبر هو وقت الإصابة ولنا أن حال الرمي هو الذي يفعله والتسمية معتبرة عند فعله فكان الاعتبار بحال الرمي وكذلك ان رمى أحدهما بعد الآخر قبل إصابة الأول فهو كرميهما معا في القولين لان رمى الثاني وجد والصيد ممتنع فصار كما لو رميا معا فان أصابه سهم الأول ولم يخرجه من الامتناع فأصابه الثاني فقتله فهو للثاني لان الأول إذا لم يخرجه عن حد الامتناع ففعل الاصطياد وجد من الثاني وللأول تسبب في الصيد فصار كمن أثار صيدا وأخذه غيره ان الصيد يكون للآخذ لا للمثير كذا هذا وإن كان سهم الأول وقذه وأخرجه عن الامتناع ثم أصابه سهم الثاني فهذا على وجوه ان مات من الأول أكل وعلى الثاني ضمان ما نقصته جراحته لان السهم الأول وقع به وهو صيد فإذا قتله حل وقد ملكه الأول بالإصابة فالحجرة الثانية نقص في ملك الأول فيضمنها الثاني وان مات من الجراحة الثانية لم يؤكل لان الثاني رمى إليه وهو غير ممتنع فصار كالرمي إلى الشاة ويضمن الثاني ما نقصته جراحته لأنه نقص دخل في ملك الغير بفعله ثم يضمن قيمته مجروحا بجراحتين لأنه أتلف بفعله الا أنه غرم نقصان الجرح الثاني فلا يضمنه ثانيا والجرح الأول نقص حصل بفعل المالك للصيد فلا يضمنه الثاني وان مات من الجراحتين لم يؤكل لان أحد الرميين حاضر والآخر مبيح فالحكم للحاظر احتياطا والصيد للأول لانفراده بسبب ملكه وهو الجراحة المخرجة له من الامتناع وعلى الثاني للأول نصف قيمته مجروحا بالجراحتين ويضمن نصف ما نقصته الجراحة الثانية لأنه مات بفعلهما قسقط نصف
(٥٦)