التعليم هو أن يمسك علينا الصيد ولا يأكل منه يقرره ان الله تعالى إنما أباح أكل صيد المعلم من الجوارح الممسك على صاحبه ولو لم يكن ترك الأكل من حد التعليم وكان ما أكل منه حلالا لاستوى فيه المعلم وغير المعلم والممسك على صاحبه وعلى نفسه لان كل كلب يطلب الصيد ويمسه لنفسه حتى يموت ان أرسلت عليه واغريته الا المعلم وأما السنة فما روى عن عدى بن حاتم الطائي أنه قال قلت يا رسول الله انا قوم نتصيد بهذه الكلاب والبزاة فما يحل لنا منها فقال عليه الصلاة والسلام يحل لكم ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن ما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم مما علمتموهن من كلب أو باز وذكرتم اسم الله عليه قلت فان قتل قال عليه الصلاة والسلام إذا قتله ولم يأكل منه فكل فإنما أمسك عليك وان اكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه فقلت يا رسول الله أرأيت ان خالط كلابنا كلاب أخرى قال عليه الصلاة والسلام ان خالطت كلابك كلاب أخرى فلا تأكل فإنك إنما ذكرت اسم الله تعالى على كلبك ولم تذكره على كلب غيرك وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إذا أكل الكلب من الصيد فليس بمعلم وعنه أيضا أنه قال إذا أكل الكلب فلا تأكل وإذا أكل الصقر فكل لان الكلب يستطيع أن تضربه الصقر لا وعن ابن سيدنا عمر رضي الله عنهما أنه قال إذا أكل الكلب من الصيد فلا تأكل واضربه واما المعقول فمن وجهين أحدهما ان أخذ الصيد وقتله مضاف إلى المرسل وإنما الكلب آلة الاخذ والقتل وإنما يكون مضافا إليه إذا أمسك لصاحبه لا لنفسه لان العامل لنفسه يكون عمله مضاف إليه الا إلى غيره والامساك على صاحبه أن يترك الأكل منه وهو حد التعليم والثاني ان تعليم الكلب ونحوه هو تبديل طبعه وفطامه عن العادة المألوفة ولا يتحقق ذلك الا بامساك الصيد لصاحبه وترك الأكل منه لان الكلب ونحوه من السباع من طباعهم انهم إذا أخذوا الصيد فإنما يأخذونه لأنفسهم ولا يصبرون على أن لا يتناولوا منه فإذا أخذ واحد منهم الصيد ولم يتناول منه دل انه ترك عادته حيث أمسك لصاحبه ولم يأكل منه فإذا أكل منه دل انه على عادته سواء اتبع الصيد إذا أغرى واستجاب إذا دعى أو لا لأنه ألوف في الأصل يجيب إذا دعى ويتبع إذا أغرى فلا يصلح ذلك دليلا على تعلمه فثبت أن معنى التعلم لا يتحقق الا بما قلنا وهو أن يمسك الصيد على صاحبه ولا يأكل منه ثم في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة رضي الله عنه لا توقيت في تعليمه انه إذا أخذ صيدا ولم يأكل منه هل يصير معلما أم يحتاج فيه إلى التكرار وكأن يقول إذا كان معلما فكل كذا ذكر في الأصل وهكذا روى بشر بن الوليد رحمه الله عن أبي يوسف قال سألت أبا حنيفة رحمه الله ما حد تعليم الكلب قال إن يقول أهل العلم بذلك أنه معلم وذكر الحسن بن زياد في المجرد عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال لا يأكل ما يصيد أولا ولا الثاني ولو أكل الثالث وما بعده وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله قدراه بالثلاث فقالا إذا أخذ صيدا فلم يأكل ثم صاد ثانيا فلم يأكل ثم صاد ثالثا فلم يأكل فهذا معلم فأبو حنيفة رضي الله عنه على الرواية المشهورة عنه أنما رجع في ذلك إلى أهل الصناعة ولم يقدر فيه تقديرا لان حال الكلب في الامساك وترك الأكل يختلف فقد يمسك للتعليم وقد يمسك للشبع ففوض ذلك إلى أهل العلم بذلك وعلى الرواية الأخرى جعل أصل التكرار دلالة التعلم لان الشبع لا يتفق في كل مرة فدل تكرار الترك على التعلم وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله قدرا التكرار بثلاث مرات لما أن الثلاث موضوعة لابداء الاعذار أصله قضية سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام مع العبد الصالح حيث قال له في المرة الثالثة ان سألتك على شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا وروى عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال من اتجر في شئ ثلاث مرات فلم يربح فلينتقل إلى غيره ثم إذا صار معلما في الظاهر على اختلاف الأقاويل وصاد به صاحبه ثم أكل بعد ذلك فما صاد قبل ذلك لا يؤكل شئ منه إن كان باقيا في قول أبي حنيفة رحمه الله وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يؤكل كله (وجه) قولهما أن أكل الكلب يحتمل أن يكون لعدم التعلم ويحتمل أن يكون مع التعلم لفرط الجوع ويحتمل أن يكون للنسيان لان المعلم قد ينسى فلا يحرم ما تقدم من الصيود بالشك والاحتمال ولأبي حنيفة رحمه الله ان علامة التعلم لما كانت ترك الأكل فإذا أكل بعد ذلك علم أنه لم يكن معلما وان امساكه لم يكن لصيرورته معلما بل
(٥٣)