والارسال كما بينا فتراعى الأهلية عند ذلك وعلى هذا الأصل ينبنى شرط تعيين المحل بالتسمية في الذكاة الاختيارية وهو بيان القسم الثاني من الشرائط التي تخص أحد النوعين دون الآخر وهي أنواع يرجع بعضها إلى المذكى وبعضها يرجع إلى محل الذكاة وبعضها يرجع إلى آلة الذكاة أما الذي يرجع إلى المذكى فهو أن يكون حلالا وهذا في الذكاة الاضطرارية دون الاختيارية حتى أن المحرم إذا قتل صيد البر وسمى لا يؤكل لأنه ممنوع عن قتل الصيد لحق الاحرام لقوله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم أي وأنتم محرمون وقوله جل شأنه أحلت لكم بهيمة الأنعام الا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم معناه والله سبحانه وتعالى أعلم أحلت لكم بهيمة الأنعام والصيد الا ما يتلى عليكم من الميتة والدم ولحم الخنزير إلى آخره غير محلى الصيد وأنتم حرم لأنه استثنى سبحانه وتعالى الصيد بقوله تبارك وتعالى غير محلى الصيد وإنما يستثنى الشئ من الجملة المذكورة فجعل مذكورا بطريق الاضمار والاستثناء من الإباحة تحريم فكان اصطياد المحرم محرما فكان صيدة ميتة كصيد المجوسي سواء اصطاد بنفسه أو اصطيد له بأمره لان ما صيد له بأمره فهو صيده معنى وتحل ذبيحة المستأنس لان التحريم خص بالصيد فبقي غيره على عموم الإباحة ويحل له صيد البحر لقوله تبارك وتعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه وقد مر ذلك وأما الذي يرجع إلى محل الذكاة فمنها تعيين المحل بالتسمية في الذكاة الاختيارية ولا يشترط ذلك في الذكاة الاضطرارية وهي الرمي والارسال إلى الصيد لان الشرط في الذكاة الاختيارية ذكر اسم الله تبارك وتعالى على الذبيح لما تلونا من الآيات ولا يتحقق ذلك الا بتعيين الذبيح بالتسمية ولان ذكر الله تبارك وتعالى لما كان واجبا فلا بد وأن يكون مقدورا والتعين في الصيد ليس بمقدور لان الصائد قد يرمى ويرسل على قطيع من الصيد وقد يرمى ويرسل على حس الصيد فلا يكون التعيين واجبا والمستأمن مقدور فيكون واجبا وعلى هذا يخرج ما إذا ذبح شاة وسمى ثم ذبح شاة أخرى يظن أن التسمية الأولى تجزى عنهما لم تؤكل ولابد من أن يجدد لكل ذبيحة تسمية على حدة ولو رمى سهما فقتل به من الصيد اثنين لا بأس بذلك وكذلك لو أرسل كلبا أو بازيا وسمى فقتل من الصيد اثنين فلا بأس بذلك لان التسمية تجب عند الفعل وهو الذبح فإذا تجدد الفعل تجدد التسمية فأما الرمي والارسال فهو فعل واحد وإن كان يتعدى إلى مفعولين فتجزى فيه تسمية واحدة ووزان الصيد من المستأنس ما لو أضجع شاتين وأمر السكين عليهما معا أنه تجرى في ذلك تسمية واحدة كما في الصيد فان قيل هلا جعل ظنه ان التسمية على الشاة الأولى تجزئ عن الثانية عذرا كنسيان التسمية فالجواب ان هذا ليس من باب النسيان بل من الجهل بحكم الشرع والجهل بحكم الشرع ليس بعذر والنسيان عذر ألا ترى ان من ظن أن الاكل لا يفطر الصائم فأكل بطل صومه ولو أكل ناسيا لا يبطل فان نظر إلى جماعة من الصيد فرمى بسهم وسمى وتعمدها ولم يتعمد واحدا بعينه فأصاب منها صيدا فقتله لا بأس بأكله وكذلك الكلب والبازي ولو أن رجلا نظر إلى غنمه فقال بسم الله أخذ واحدة فأضجعها وذبحها وترك التسمية عامدا وظن أن تلك التسمية تجزيه لا تؤكل لأنه لم يسم عند الذبح والشرط هو التسمية على الذبيحة وذلك بالتسمية عند الذبح نفسه لا عند النظر وتعيين الذبيحة مقدور فيمكن أن يجعل شرطا وتعيين الصيد بالرمي والارسال متعذر لما بينا فلم يمكن أن يجعل شرطا ولو رمى صيدا بعينه أو أرسل الكلب أو البازي على صيد بعينه فأخطأ فأصاب غيره يؤكل وكذا لو رمى ظبيا فأصاب طيرا أو أرسل على ظبي فأخذ طيرا لان التعيين في الصيد ليس بشرط (ومنها) قيام أصل الحياة في المستأمن وقت الذبح قلت أو كثرت في قول أبي حنيفة رحمه الله وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لا يكتفى بقيام أصل الحياة بل تعتبر حياة مقدورة كالشاة المريضة والوقيذة والنطيحة وجريحة السبع إذا لم يبق فيها الا حياة قليلة عرف ذلك بالصياح أو بتحريك الذنب أو طرف العين أو التنفس وأما خروج الدم فلا يدل على الحياة الا إذا كان يخرج كما يخرج من الحي المطلق فإذا ذبحها وفيها قليل حياة على الوجه الذي ذكرنا تؤكل عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعن أبي يوسف روايتان في ظاهر الرواية عنه انه إن كان يعلم أنها لا تعيش مع ذلك فذبحها لا تؤكل وإن كان
(٥٠)