الحنطة بدقيق الحنطة وبسويق الحنطة وبيع تمر مطبوخ بتمر غير مطبوخ متفاضلا في الكيل أو متساويا فيه لان المقلية ينضم بعض أجزائها إلى بعض يعرف ذلك بالتجربة فيتحقق الفضل من حيث القدر في الكيل فيتحقق الربا وكذا المطبوخة بغير المطبوخة لان المطبوخ ينتفخ بالطبخ فكان غير المطبوخة أكثر قدرا عند العقد فيتحقق الفضل وكذلك بيع الحنطة بدقيق الحنطة لان في الحنطة دقيقا الا انه مجتمع لوجود المانع من التفرق وهو التركيب وذلك أكثر من الدقيق المتفرق عرف ذلك بالتجربة الا ان الحنطة إذا طحنت ازداد دقيقها على المتفرق ومعلوم ان الطحن لا أثر له في زيادة القدر فدل انه كان أزيد في الحنطة فيتحقق الفضل من حيث القدر بالتجربة عند العقد فيتحقق الربا وأما بيع الحنطة المبلولة أو الندية بالندية أو الرطبة بالرطبة أو المبلولة بالمبلولة أو اليابسة باليابسة وبيع التمر بالرطب والرطب بالرطب أو بالتمر والمنقع بالمنقع والعنب بالزبيب اليابس واليابس بالمنقع والمنقع بالمنقع متساويا في الكيل فهل يجوز قال أبو حنيفة رحمه الله كل ذلك جائز وقال أبو يوسف رحمه الله كله جائز الا بيع التمر بالرطب وقال محمد رحمه الله كله فاسد الا بيع الرطب بالرطب والعنب بالعنب وقال الشافعي رحمه الله كله باطل ويجوز بيع الكفرى بالتمر والرطب بالبسر متساويا ومتفاضلا بالاجماع لعدم الجنس والكيل إذ هو اسم لوعاء الطلع فأبو حنيفة رحمه الله يعتبر المساواة في الحال عند العقد ولا يلتفت إلى النقصان في المآل ومحمد رحمه الله يعتبرها حالا ومآلا واعتبار أبى يوسف مثل اعتبار أبي حنيفة الا في الرطب بالتمر فإنه يفسده بالنص وأصل الشافعي رحمه الله ما ذكرنا في مسألة علة الربا ان حرمة بيع المطعوم بجنسه هي الأصل والتساوي في المعيار الشرعي مع اليد مخلص الا انه يعتبر التساوي ههنا في المعيار الشرعي في أعدل الأحوال وهي حالة الجفاف واحتج أبو يوسف ومحمد بما روى عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الرطب بالتمر وقال عليه الصلاة والسلام انه ينقص إذا جف بين عليه الصلاة والسلام الحكم وعلته وهي النقصان عند الجفاف فمحمد عدى هذا الحكم إلى حيث تعدت العلة وأبو يوسف قصره على محل النص لكونه حكما ثبت على خلاف القياس ولأبي حنيفة رحمه الله الكتاب الكريم والسنة المشهورة اما الكتاب فعمومات البيع من نحو قوله تعالى وأحل الله البيع وقوله عز شأنه يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم فظاهر النصوص يقتضى جواز كل بيع الا ما خص بدليل وقد خص البيع متفاضلا على المعيار الشرعي فبقي البيع متساويا على ظاهر العموم وأما السنة المشهورة فحديث أبي سعيد الخدري وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما حيث جوز رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والتمر بالتمر مثلا بمثل عاما مطلقا من غير تخصيص وتقييد ولا شك ان اسم الحنطة والشعير يقع على كل جنس الحنطة والشعير على اختلاف أنواعهما وأوصافهما وكذلك اسم التمر يقع على الرطب والبسر لأنه اسم لتمر النخل لغة فيدخل فيه الرطب واليابس والمذنب والبسر والمنقع وروى أن عامل خيبر أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرا جنيبا فقال عليه الصلاة والسلام أو كل تمر خيبر هكذا وكان أهدى إليه رطبا فقد أطلق عليه الصلاة والسلام اسم التمر على الرطب وروى أنه نهى عليه الصلاة والسلام عن التمر حتى يزهو أي يحمر أو يصفر وروى حتى يحمار أو يصفار والاحمرار والاصفرار من أوصاف البسر فقد أطلق عليه الصلاة والسلام اسم التمر على البسر فيدخل تحت النص وأما الحديث فمداره على زيد بن عياش وهو ضعيف عند النقلة فلا يقبل في معارضة الكتاب والسنة المشهورة ولهذا لم يقبله أبو حنيفة رحمه الله في المناظرة في معارضة الحديث المشهور مع أنه كان من صيارفة الحديث وكان من مذهبه تقديم الخبر وإن كان في حد الآحاد على القياس بعد إن كان راويه عدلا ظاهر العدالة أو بأدلة فيحمله على بيع الرطب بالتمر نسيئة أمر تمرا من مال اليتيم توفيقا بين الدلائل صيانة لها عن التناقض والله سبحانه وتعالى أعلم وكذلك الذهب والفضة لا يجوز بيع كل بجنسه متفاضلا في الوزن سواء اتفقا في النوع والصفة بأن كانا مضروبين دراهم أو دنانير أو مصوغين أو تبرين جيدين أو رديئين أو اختلفا للحديث المشهور مثلا بمثل والفضل
(١٨٨)