لا يجوز لان مال كل واحد منهما معصوم متقوم فكان التملك بالعقد فيفسد بالشرط الفاسد ولو أسلم الحربي الذي بايع المسلم ودخل دار الاسلام أو أسلم أهل الدار فما كان من ربا مقبوض أو بيع فاسد مقبوض فهو جائز ماض وما كان غير مقبوض يبطل لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين أمرهم سبحانه وتعالى بترك ما بقي من الربا والامر بترك ما بقي من الربا نهى عن قبضه فكأنه تعالى قال اتركوا قبضه فيقتضى حرمة القبض وروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال كل ربا في الجاهلية فهو موضوع تحت قدمي والوضع عبارة عن الحط والاسقاط وذلك فيما لم يقبض ولان بالاسلام حرم ابتداء العقد فكذا القبض بحكم العقد لأنه تقرير العقد وتأكيده فيشبه العقد فيلحق به إذ هو عقد من وجه فيلحق بالثابت من كل وجه في باب الحرمات احتياطا ومتى حرم القبض لم يكن في بقاء العقد فائدة (ومنها) أن لا يكون البدلان ملكا لاحد المتبايعين فإن كان لا يجرى الربا وعلى هذا يخرج العبد المأذون إذا باع مولاه درهما بدرهمين وليس عليه دين انه يجوز لأنه إذا لم يكن عليه دين فما في يده لمولاه فكان البدلان ملك المولى فلا يكون هذا بيعا فلا يتحقق الربا إذ هو مختص بالبياعات وكذلك المتعاوضان إذا تبايعا درهما بدرهمين يجوز لان البدل من كل واحد منهما مشترك بينهما فكان مبادلة ماله بماله فلا يكون بيعا ولا مبادلة حقيقة وكذلك الشريكان شركة العنان إذا تبايعا درهما بدرهمين من مال الشركة جاز لما قلنا ولو تبايعا من غير مال الشركة لا يجوز لأنهما في غير مال الشركة أجنبيان ولو كان على العبد المأذون دين فباعه مولاه درهما بدرهمين لا يجوز بالا جماع (أما) عند أبي حنيفة رحمه الله فظاهر لان المولى لا يملك كسب عبده المأذون المديون عنده فلم يجتمع البدلان في ملك واحد وعندهما وإن كان يملك لكن ملكا محجورا عن التصرف فيه لتعلق حق الغرماء به فكان المولى كالأجنبي عنه وكذلك المولى إذا عاقد مكاتبه عقد الربا لم يجز لان المكاتب في حق الاكتساب ملحق بالاحرار لانقطاع تصرف المولى عنها فأشبه الأجانب (وأما) اسلام المتبايعين فليس بشرط لجريان الربا فيجرى الربا بين أهل الذمة وبين المسلم والذمي لان حرمة الربا ثابتة في حقهم لان الكفار مخاطبون بشرائع هي حرمات ان أم يكونوا مخاطبين بشرائع هي عبادات عندنا قال الله تعالى وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى محبوس هجر إما أن تذروا الربا أو تأذنوا بحرب من الله ورسوله وهذا في نهاية الوعيد فيدل على نهاية الحرمة والله سبحانه وتعالى أعلم (ومنها) الخلو عن احتمال الربا فلا تجوز المجازفة في أموال الربا بعضها ببعض لان حقيقة الربا كما هي مفسدة للعقد فاحتمال الربا مفسد له أيضا لقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ما اجتمع الحلال والحرام في شئ الا وقد غلب الحرام الحلال والأصل فيه ان كلما جازت فيه المفاضلة جاز فيه المجازفة وما لا فلا لان التماثل والخلو عن الربا فيما يجرى فيه الربا لما كان شرط الصحة فلا يعلم تحقيق المماثلة بالمجازفة فيقع الشك في وجود شرط الصحة فلا تثبت الصحة على الأصل المعهود في الحكم المعلق على شرط إذا وقع الشك في وجود شرطه انه لا يثبت لان غير الثابت بيقين لا يثبت بالشك كما أن الثابت بيقين لا يزول بالشك وبيان هذا الأصل في مسائل إذا تبايعا حنطة بحنطة مجازفة فإن لم يعلما كيلهما أو علم أحدهما دون الآخر أو علما كيل أحدهما دون الآخر لا يجوز لما قلنا وان علم استواؤهما في الكيل فان علم في المجلس جاز البيع لان المجلس وان طال فله حكم حالة العقد فكأنه عند العقد وان علم بعد الافتراق لم يجز وقال زفر يجوز علم قبل الافتراق أو بعده (وجه) قوله إن الحاجة إلى الكيل عند العقد لتحقق المساواة المشروطة وقد تبين انها كانت ثابتة عنده (ولنا) ان علم المتعاقدين بالمساواة عند العقد شرط الصحة ولم يوجد والدليل على أن العلم عند العقد شرط الصحة ان الشرع ألزم رعاية المماثلة عند البيع بقوله عليه الصلاة والسلام الحنطة بالحنطة مثلا بمثل أي بيعوا الحنطة بالحنطة مثلا بمثل أمر المتبايعين بالبيع بصفة المماثلة فلا بد وأن تكون المماثلة معلومة لهما عند البيع لتمكنهما من رعاية هذا الشرط وكذا لو كان بين رجلين حنطة فاقتسماها مجازفة لا يجوز لان القسمة فيها معنى المبادلة فيشبه البيع ولا يجوز البيع فيها مجازفة فكذا القسمة ولو تبايعا حنطة بحنطة
(١٩٣)