يصير موضع الاشتقاق علة للحكم المذكور كقوله تعالى جل وعلا والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وقوله سبحانه وتعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة والطعام اسم مشتق من الطعم فيدل على كون الطعم علة ولان العلة اسم لوصف مؤثر في الحكم ووصف الطعم مؤثر في حرمة بيع المطعوم والحكم متى ثبت عقيب وصف مؤثر يحال إليه كما في الزنا والسرقة ونحو ذلك وبيان تأثير الطعم انه وصف ينبئ عن العزة والشرف لكونه متعلق البقاء وهذا يشعر بعزته وشرفه فيجب اظهار عزته وشرفه وذلك في تحريم بيع المطعوم بجنسه وتعليق جوازه بشرطي التساوي في المعيار الشرعي واليد لان في تعلقه بشرطين تضييق طريق اصابته وما ضاق طريق اصابته يعز وجوده فيعز امساكه ولا يهون في عين صاحبه فكان الأصل فيه هو الحظر ولهذا كان الأصل في الابضاع الحرمة والحظر والجواز بشرطي الشهادة والولي اظهارا لشرفها لكونها منشأ البشر الذين هم المقصودون في العالم وبهم قوامها والابضاع وسيلة إلى وجود الجنس والفوت وسيلة إلى بقاء الجنس فكان الأصل فيها الحظر والجواز بشرطين ليعز وجوده ولا تتيسر اصابته فلا يهون امساكه فكذا هذا وكذا الأصل في بيع الذهب والفضة بجنسهما هو الحرمة لكونها أثمان الأشياء فيها وعليها فكان قوام الأموال والحياة بها فيجب اظهار شرفها في الشرع بما قلنا (ولنا) في اثبات الأصل إشارات النصوص من الكتاب العزيز والسنة والاستدلال (أما) الكتاب فقوله تعالى أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين وقال سبحانه وتعالى ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها جعل حرمة الربا بالمكيل والموزون مطلقا عن شرط الطعم فدل على أن العلة هي الكيل والوزن وقال سبحانه وتعالى ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألحق الوعيد الشديد بالتطفيف في الكيل والوزن مطلقا من غير فصل بين المطعوم وغيره (وأما) السنة فما روى أن عامل خيبر أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرا جنيبا فقال أو كل تمر خيبر هكذا فقال لا ولكني أعطيت صاعين وأخذت صاعا فقال عليه الصلاة والسلام أربيت هلا بعت تمرك بسلعة ثم ابتعت بسلعتك تمرا وكذلك الميزان وأراد به الموزون بطريق الكناية لمجاورة بينهما مطلقا من غير فصل بين المطعوم وغير المطعوم وكذا روى مالك بن أنس ومحمد بن إسحاق الحنظلي باسنادهما الحديث المشهور الذي رواه محمد في كتاب البيوع عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في آخره وكذلك كل ما يكال أو يوزن (وأما) الاستدلال فهو ان الفضل على المعيار الشرعي من الكيل والوزن في الجنس إنما كان ربا في المطعومات والأثمان من الأشياء الستة المنصوص عليها لكونه فضل مال خال عن العوض يمكن التحرز عنه في عقد المعاوضة وقد وجد في الجص والحديد ونحوهما فورود الشرع ثمة يكون ورودا هنها دلالة وبيان ذلك ان البيع لغة وشرعا مبادلة المال بالمال وهذا يقتضى التساوي في البدلين على وجه لا يخلو كل جزء من البدل من هذا الجانب عن البدل من ذلك الجانب لان هذا هو حقيقة المبادلة ولهذا لا يملك الأب والوصي بيع مال اليتيم بغبن فاحش ولا يصح من المريض الا من الثلث والقفيز من الحنطة مثل القفيز من الحنطة صورة ومعنى وكذلك الدينار مع الدينار (أما) الصورة فلأنهما متماثلان في القدر وأما معنى فان المجانسة في الأموال عبارة عن تقارب المالية فكان القفيز مثلا للقفيز والدينار مثلا للدينار ولهذا لو أتلف على آخر قفيزا من حنطة يلزمه قفيز مثله ولا يلزمه قيمته وإذا كان القفيز من الحنطة مثلا للقفيز من الحنطة كان القفيز الزائد فضل مال خال عن العوض يمكن التحرز عنه في عقد المعاوضة فكان ربا وهذا المعنى لا يخص المطعومات والأثمان بل يوجد في كل مكيل بجنسه وموزون بمثله فالشرع الوارد هناك يكون واردا ههنا دلالة (وأما) قوله الأصل حرمة بيع المطعوم بجنسه فممنوع ولا حجة له في الحديث لأنه عليه الصلاة والسلام ما اقتصر على النهى عن بيع الطعام بالطعام ليجعل الحظر فيه أصلا بل قرن به الاستثناء فقال عليه الصلاة والسلام الا سواء بسواء فلا يدل على كون الحرمة فيه أصلا وقوله جعل الطعم علة دعوى ممنوعة أيضا والاسم
(١٨٤)