إذا باع قفيزا من هذه الصبرة أو عشرة دراهم من هذه النقرة وهذا النوع من الجهالة ههنا لا يفضى إلى المنازعة لان قوله كل عيب يتناول العيوب كلها فإذا سمى جنسا من العيوب لا جهالة له أصلا مع ما ان التمليك في الابراء يثبت ضمنا وتبعا للاسقاط لان اللفظ ينبئ عن الاسقاط لا عن التمليك فيعتبر التصرف اسقاط لا تمليكا والجهالة لا تمنع صحة الاسقاطات والدليل على جواز الابراء عن الحقوق المجهولة ما روى أن رجلين اختصما إلى النبي عليه الصلاة والسلام في مواريث قد درست فقال لهما عليه الصلاة والسلام استهما وأوجبا الحق وليحلل كل واحد منكما صاحبه وعلى هذا اجماع المسلمين من استحلال معاملاتهم في آخر أعمارهم في سائر الأعصار من غير إنكار وأما بيع الثمر على الشجر بعد ظهوره وبيع الزرع في الأرض بشرط الترك فجملة الكلام فيه انه لا يخلو اما إن كان لم يبد صلاحه بعد ان صار منتفعا به بوجه من الوجوه واما إن كان قد بد اصلاحه بان صار منتفعا به وكل ذلك لا يخلو من أن يكون بشرط القطع أو مطلقا أو بشرط الترك حتى يبلغ فإن كان لم يبد صلاحه فباع بشرط القطع جاز وعلى المشترى أن يقطع للحال وليس له أن يترك من غير اذن البائع ومن مشايخنا من قال لا يجوز بيعه قبل بدو صلاحه وهو خلاف ظاهر الرواية على ما ذكرنا ولو باع مطلقا عن شرط جاز أيضا عندنا وعند الشافعي رحمه الله لا يجوز (وجه) قوله إن المطلق ينصرف إلى المتعارف والمتعارف هو الترك فمكان هذا بيعا بشرط الترك دلالة فصار كما لو شرط الترك نصا (ولنا) ان الترك ليس بمشروط نصا إذ العقد مطلق عن الشرط أصلا فلا يجوز تقييده بشرط الترك من غير دليل خصوصا إذا كان في التقييد فساد العقد وان اشترى بشرط الترك فالعقد فاسد بالاجماع لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لاحد المتعاقدين ولا يلائم العقد ولا جرى به التعامل بين الناس ومثل هذا الشرط مفسد للبيع لما ذكرنا ولأنه لا يتمكن من الترك الا بإعارة الشجرة والأرض وهما ملك البائع فصار بشرط الترك شارطا الإعارة فكان شرطه صفقة في صفقة وانه منهى هذا إذا لم يبد صلاحه وكذا إذا بدا صلاحه فباع بشرط القطع أو مطلقا فأما إذا باع بشرط الترك فإن لم يتناه عظمه فالبيع فاسد بلا خلاف لما قلنا وكذا إذا تناهى عظمه فالبيع فاسد عند أبي حنيفة وأبى يوسف وقال محمد يجوز استحسانا لتعارف الناس وتعاملهم ذلك ولهما ما ذكرنا أن شرط الترك شرط فيه منفعة للمشترى والعقد لا يقتضيه وليس بملائم للعقد أيضا ومثل هذا الشرط يكون مفسدا كما إذا اشترى حنطة على أن يتركها في دار البائع شهرا قوله الناس تعاملوا ذلك قلنا دعوى تعامل الناس شرط الترك في المبيع ممنوعة وإنما التعامل بالمسامحة بالترك من غير شرط في عقد البيع ولو اشترى مطلقا عن شرط فترك فإن كان قد تناهى عظمه ولم يبق الا النضج لم يتصدق بشئ سواء ترك باذن البائع أو بغير اذنه لأنه لا يزداد بعد التناهي وإنما يتغير إلى حال النضج وإن كان لم يتناه عظمه ينظر إن كان الترك باذن البائع جاز وطاب له الفضل وإن كان بغير اذنه تصدق بما زاد في ذاته على ما كان عند العقد لان الزيادة حصلت بجهة محظورة فأوجبت خبثا فيها فكان سبيلها التصدق فان استأجر المشترى من البائع الشجر للترك إلى وقت الادراك طاب له الفضل لان الترك حصل باذن البائع ولكن لا تجب الأجرة لأن هذه الإجارة باطلة لأن جوازها ثبت على خلاف القياس لتعامل الناس فما لم يتعاملوا فيه لا تصح فيه الإجارة ولهذا لم تصح إجارة الأشجار لتجفيف الثياب وإجارة الأوتاد لتعليق الأشياء عليها وإجارة الكتب للقراءة ونحو ذلك حتى لم تجب الأجرة لما قلنا كذا هذا ولو أخرجت الشجرة في مدة الترك ثمرة أخرى فهي للبائع سواء كان الترك باذنه أو بغير اذنه لأنه نماء ملك البائع فيكون له ولو حللها له البائع جاز وان اختلط الحادث بعد العقد بالموجود عنده حتى لا يعرف ينظر إن كان قبل التخلية بطل البيع لأن المبيع صار معجوز التسليم بالاختلاط للجهالة وتعذر التميز فأشبه العجز عن التسليم بالهلاك وإن كان بعد التخلية لم يبطل لان التخلية قبض وحكم البيع يتم ويتناهى بالقبض والثمرة تكون بينهما لاختلاط ملك أحدهما بالآخر اختلاطا لا يمكن التمييز بينهما فكان الكل مشتركا بينهما والقول قول المشترى في المقدار لأنه صاحب يد لوجود التخلية فكان الظاهر شاهدا له فكان القول قوله ولو اشترى ثمرة بدا صلاح
(١٧٣)