الثالث فان شاؤوا أذنوا وان شاؤوا ردوا فإذا استأذن ثلاث مرات ولم يؤذن له ينبغي أن يرجع ولا يقعد على الباب لينتظر لان للناس حاجات وأشغالا في المنازل فلو قعد على الباب وانتظر لضاق ذرعهم وشغل قلوبهم ولعل لا تلتئم حاجاتهم فكان الرجوع خيرا له من القعود وذلك قوله تعالى هو أزكى لكم هذا إذا كان الدخول للزيارة ونحوها فأما إذا كان الدخول لتغيير المنكر بأن سمع في دار صوت المزامير والمعازف فليدخل عليهم بغير اذنهم لان تغيير المنكر فرض فلو شرط الاذن لتعذر التغيير والله سبحانه وتعالى أعلم وإن كان من محارمه فلا يدخل بغير استئذان أيضا وإن كان يجوز له النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة والباطنة لعموم النص الذي تلونا ولو دخل عليها من غير استئذان فربما كانت مكشوفة العورة فيقع بصره عليها فيكرهها ذلك وهكذا روى أن رجلا سأل النبي عليه الصلاة والسلام وقال أنا أخدم أمي وأفرشها إلى أستأذن عليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فسأله ثلاثا فقال عليه الصلاة والسلام يسرك أن تراها عريانة فقال لا قال استأذن عليها وكذا روى عن حذيفة رضي الله عنه أن رجلا سأله فقال أستأذن على أختي فقال رضي الله عنه أن لم تستأذن رأيت ما يسوءك الا أن الامر في الاستئذان على المحارم أيسر وأسهل لان المحرم مطلق النظر إلى موضع الزينة منها شرعا هذا الذي ذكرنا حكم الأحرار البالغين (وأما) حكم المماليك والصبيان أما المملوك فيدخل في بيت سيده من غير استئذان الا في ثلاثة أوقات قبل صلاة الفجر وعند الظهر وبعد صلاة العشاء الآخرة لقوله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم إلى قوله تعالى ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض ولأن هذه أوقات التجرد وظهور العورة في العادة (أما) قبل صلاة الفجر فوقت الخروج من ثياب النوم ووقت الظهيرة وقت وضع الثياب للقيلولة وأما بعد صلاة العشاء فوقت وضع ثياب النهار للنوم ولا كذلك بعد هذه الأوقات الثلاث لان العورات بعدها تكون مستورة عادة والعبد والأمة في ذلك سواء وسواء كان المملوك صغيرا أو كبيرا بعد أن كان يعرف العورة من غير العورة لأن هذه أوقات غرة وساعات غفلة فربما يكون على حالة يكره أن يراه أحد عليها وهذا المعنى يستوى فيه الذكر والأنثى والكبير والصغير بعد أن يكون من أهل التمييز ويكون الخطاب في الصغار للسادات بالتعليم والتأديب كما في الاباء مع الأبناء الصغار (وأما) الصبيان فإن كان الصغير ممن لا يميز بين العورة وغيرها فيدخل في الأوقات كلها وإن كان من أهل التمييز بأن قرب من البلوغ يمنعه الأب من الدخول في الأوقات الثلاثة تأديبا وتعليما لأمور الدين كالأمر بالصلاة إذا بلغ سبعا وضربه عليها إذا بلغ عشرا والتفريق بينهم في المضاجع والله عز وجل أعلم هذا إذا كان البيت مسكونا بأن كان له ساكن وأما إذا لم يكن كالخانات والرباطات التي تكون للمارة والخربات التي تقضى فيها حاجة البول والغائط فلا بأس أن يدخله من غير استئذان لقوله سبحانه وتعالى ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم أي منفعة لكم وهي منفعة دفع الحر والبرد في الخانات والرباطات ومنفعة قضاء الحاجة من البول والغائط في الخربات والله سبحانه وتعالى أعلم وروى في الخبر انه لما نزلت آية الاستئذان قال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله فكيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة وبين المدينة والشام ليس فيها ساكن فأنزل الله تعالى عز وجل قوله ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله عز وجل الموفق هذا الذي ذكرنا حكم الدخول (وأما) حكم ما بعد الدخول وهو الخلوة فإن كانت في البيت امرأة أجنبية أو ذات رحم محرم لا يحل للرجل أن يخلوا بها لان فيه خوف الفتنة والوقوع في الحرام وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يخلون رجل بامرأة فان ثالثهما الشيطان وإن كانت المرأة ذات رحم محرم منه فلا بأس بالخلوة والأفضل أن لا يفعل لما روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أنه قال ما خلوت بامرأة قط مخافة أن أدخل في نهى النبي عليه الصلاة والسلام ويكره للمرأة أن تصل شعر غيرها من بني آدم بشعرها لقوله عليه الصلاة والسلام لعن الله الواصلة والمستوصلة ولان الآدمي بجميع أجزائه مكرم والانتفاع بالجزء المنفصل منه إهانة له ولهذا كره بيعه ولا بأس بذلك من شعر البهيمة وصوفها لأنه
(١٢٥)