الصرف أربعا، وهذا اختيار الصيمري، والقاضي أبي الطيب، وأصحهما، وبه قال ابن سريج وأبو إسحاق والماوردي -: لا يتعلق به تحريم، لأنا لم نتحقق وصول اللبن، وهذا الخلاف فيما إذا لم يتحقق وصول اللبن مثل أن وقعت قطرة في جب ماء وشرب بعضه، فإن تحققنا انتشاره في الخليط، وحصول بعضه في المشروب، أو كان الباقي من المخلوط أقل من قدر اللبن، ثبت التحريم قطعا، ذكره الامام وغيره. وهل يشترط أن يكون اللبن قدرا يمكن أن يسقى منه خمس دفعات لو انفرد عن الخليط؟ وجهان حكاهما السرخسي وقال: أصحهما الاشتراط، هذا هو المذهب في بيان حكم اختلاط اللبن بالمائعات، وسواء فيه اختلاط اللبن بالماء وبغيره، وحكى الامام طريقا آخر أنه إن كان الخليط غير الماء، فعلى ما ذكرناه، وإن كان ماء واللبن مغلوب، فإن امتزج بما دون القلتين، وشرب الصبي كله، ففي ثبوت التحريم قولان، وإن شرب بعضه، فقولان مرتبان وأولى بأن لا يثبت. وإن امتزج بقلتين، فصاعدا، فإن لم يثبت التحريم بدون القلتين فهنا أولى، وإن أثبتنا، وتناول بعضه، لم يؤثر، وإن شربه كله، فقولان مرتبان، وأولى بأن لا يؤثر. وهذه الطريقة ضعيفة، وفي المراد بمصير اللبن مغلوبا وجهان، أحدهما: خروجه عن كونه مغذيا، والصحيح الذي قطع به الأكثرون أن الاعتبار بصفات اللبن الطعم واللون والرائحة، فإن ظهر منها شئ في المخلوط، فاللبن غالب، وإلا فمغلوب.
ونقل أبو الحسن العبادي في الرقم تفريعا على هذا عن الحليمي ما يفهم منه أنه لو زايلته الأوصاف الثلاثة، اعتبر قدر اللبن بما له لون قوي يستولي على الخليط، فإن كان ذلك القدر منه يظهر في الخليط ثبت التحريم، وإلا فلا، قال الحليمي: وهذا شئ استنبطته أنا وكان في قلبي منه شئ، فعرضته على القفال الشاشي وابنه القاسم، فارتضياه، فسكنت، ثم وجدته لابن سريج، فسكن قلبي إليه كل السكون، وقد سبق نظير هذا في اختلاط المائع بالماء.
فرع لو وقعت قطرة في فمه، واختلطت بريقه، ثم وصل جوفه، فطريقان، أحدهما: يعتبر كونه غالبا أو مغلوبا على ما ذكرناه. والثاني: القطع بالتحريم.