والدراوردي يذهبون من مذاهبه ورأيت من يذمهم ورأيت بالكوفة قوما يميلون إلى قول ابن أبي ليلى يذمون مذاهب أبي يوسف وآخرين يميلون إلى قول أبي يوسف يذمون مذاهب ابن أبي ليلى وما خالف أبا يوسف وآخرين يميلون إلى قول الثوري وآخرين إلى قول الحسن بن صالح وبلغني غير ما وصفت من البلدان شبيه بما رأيت مما وصفت من تفرق أهل البلدان ورأيت المكيين يذهبون إلى تقديم عطاء في العلم على التابعين وفي بعض العراقيين من يذهبون إلى تقديم إبراهيم النخعي ثم لعل كل صنف من هؤلاء قدم صاحبه أن يسرف في المباينة بينه وبين من قدموا عليه من أهل البلدان، وهكذا رأيناهم فيمن نصبوا من العلماء الذين أدركنا فإذا كان أهل الأمصار يختلفون هذا الاختلاف فسمعت بعض من يفتي منهم يحلف بالله ما كان لفلان أن يفتي لنقص عقله وجهالته وما كان يحل لفلان أن يسكت يعني آخر من أهل العلم ورأيت من أهل البلدان من يقول ما كان يحل له أن يفتي بجهالته يعني الذي زعم غيره أنه لا يحل له أن يسكت لفضل علمه وعقله ثم وجدت أهل كل بلد كما وصفت فيما بينهم من أهل زمانهم فأين اجتمع لك هؤلاء على تفقه واحد أو تفقه عام؟ وكما وصفت رأيهم أو رأي أكثرهم وبلغني عمن غاب عني منهم شبيه بهذا فإن اجمعوا لك على نفر منهم فتجعل أولئك النفر علماء إذا اجتمعوا على شئ قبلته قال وإنهم إن تفرقوا كما زعمت باختلاف مذاهبهم أو تأويل أو غفلة أو نفاسة من بعضهم على بعض فإنما أقبل منهم ما اجتمعوا عليه معا فقيل له فإن لم يجمعوا لك على واحد منهم أنه في غاية (3) فكيف جعلته عالما؟ قال لا ولكن يجتمعون على أنه يعلم من العلم قلت نعم ويجتمعون لك على أن من لم تدخله في جملة العلماء من أهل الكلام يعلمون من العلم فلم قدمت هؤلاء وتركتهم في أكثر هؤلاء أهل الكلام وما أسمك وطريقك إلا بطريق التفرق، إلا أنك تجمع إلى ذلك أن تدعي الاجماع وإن في دعواك الاجماع لخصالا يجب عليك في أصل مذاهبك أن تنتقل عن دعوى الاجماع في علم الخاصة قال فهل من إجماع؟ قلت نعم نحمد الله كثير في جملة الفرائض التي لا يسع جهلها فذلك الاجماع هو الذي لو قلت أجمع الناس لم تجد حولك أحدا يعرف شيئا يقول لك ليس هذا بإجماع فهذه الطريق التي يصدق بها من ادعى الاجماع فيها وفي أشياء من أصول العلم دون فروعه ودون الأصول غيرها فأما ما ادعيت من الاجماع حيث قد أدركت التفرق في دهرك وتحكي عن أهل كل قرن فانظره أيجوز أن يكون هذا إجماعا؟ قال فقال قد ادعى بعض أصحابك الاجماع فيما ادعى من ذلك فما سمعت منهم أحدا ذكر قوله إلا عائبا لذلك وإن ذلك عندي لمعيب قلت من أين عبته وعابوه؟ وإنما ادعاء إجماع فرقة أحرى أن يدرك من ادعائك الاجماع على الأمة في الدنيا قال إنما عبناه أنا نجد في المدينة اختلافا في كل قرن فيما يدعي فيه الاجماع ولا يجوز الاجماع إلا على ما وصفت من أن لا يكون مخالف فلعل الاجماع عنده الأكثر وإن خالفهم الأقل فليس ينبغي أن يقول إجماعا ويقول الأكثر إذا كان لا يروي عنهم شيئا ومن لم يرو عنه شئ في شئ لم يجز أن ينسب إلى أن يكون مجمعا على قوله كما لا يجوز أن يكون منسوبا إلى خلافه فقلت له إن كان ما قلت من هذا كما قلت فالذي يلزمك فيه أكثر، لأن الاجماع في علم الخاصة إذا لم يوجد في فرقة كان أن يوجد في الدنيا أبعد قال وقلت قولك وقول من قال الاجماع خلاف الاجماع قال فأوجدني ما قلت، قلت إن كان الاجماع قبلك إجماع الصحابة أو التابعين أو القرن الذين يلونهم وأهل زمانك فأنت تثبت عليهم أمر تسميه إجماعا قال ما هو؟ اجعل له مثالا لأعرفه قلت كأنك ذهبت إلى أن جعلت ابن المسيب عالم أهل المدينة وعطاء عالم أهل مكة والحسن عالم أهل البصرة والشعبي عالم أهل الكوفة من التابعين فجعلت الاجماع ما أجمع
(٢٩٥)