دلالتين أحدهما أن الطلب لا يكون إلا مقصودا بشئ أن يتوجه له لا أن يطلبه الطالب متعسفا والأخرى أنه كلفه بالاجتهاد في التأخي لما أمره بطلبه قال فاذكر الدلالة على ما وصفت قلت قال الله عز وجل (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام) وشطره قصده وذلك تلقاؤه قال أجل قلت وقال (هو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) قال (1) (وسخر لكم النجوم والليل والنهار والشمس والقمر) وخلق الجبال والأرض وجعل المسجد الحرام حيث وضعه من أرضه فكلف خلقه التوجه إليه فمنهم من يرى البيت فلا يسعه إلا الصواب بالقصد إليه ومنهم من يغيب عنه وتنأى داره عن موضعه فيتوجه إليه بالاستدلال بالنجوم والشمس والقمر والرياح والجبال والمهاب كل هذا قد يستعمل في بعض الحالات ويدل فيها ويستغني بعضها عن بعض قال هذا كما وصفت ولكن على إحاطة أنت من أن تكون إذا توجهت أصبت قلت أما على إحاطة من أتى إذا توجهت أصبت ما أكلف وإن لم أكلف أكثر من هذا فنعم قال أفعلى إحاطة أنت من صواب البيت بتوجهك؟ قلت أفهذا شئ كلفت الإحاطة في أصله البيت وإنما كلفت الاجتهاد قال فما كلفت؟ قلت التوجه شطر المسجد الحرام فقد جئت بالتكليف وليس يعلم الإحاطة بصواب موضع البيت آدمي إلا بعيان فأما ما غاب عنه من عينه فلا يحيط به آدمي قال فنقول أصبت قلت نعم على معنى ما قلت أصبت على ما أمرت به فقال ما يصح في هذا جواب أبدا غير ما أجبت به وإن من قال كلفت الإحاطة بأن أصيب لزعم أنه لا يصلي إلا أن يحيط بأن يصيب أبدا وإن القرآن ليدل كما وصفت على أنه إنما أمر بالتوجه إلى المسجد الحرام والتوجه هو التأخي والاجتهاد لا الإحاطة فقال أذكر غير هذا إن كان عندك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقلت له قال الله عز وجل (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل) على المثل يجتهدان فيه لأن الصفة تختلف فتصغر وتكبر فما أمر العدلين أن يحكما بالمثل إلا على الاجتهاد ولم يجعل الحكم عليهما حتى أمرهما بالمثل وهذا يدل ما دلت عليه الآية قبله من أنه محظور عليه إذا كان في المثل اجتهاد أن يحكم بالاجتهاد إلا على المثل ولم يؤمر فيه ولا في القبلة إذا كانت مغيبة عنه فكان على غير إحاطة من أن يصيبها بالتوجه أن يكون يصلي حيث شاء من غير اجتهاد بطلب الدلائل فيها وفي الصيد معا ويدل على أنه لا يجوز لأحد أن يقول في شئ من العلم إلا بالاجتهاد والاجتهاد فيه كالاجتهاد في طلب البيت في القبلة والمثل في الصيد ولا يكون الاجتهاد إلا لمن عرف الدلائل عليه من خبر لازم كتاب أو سنة أو إجماع ثم يطلب ذلك بالقياس عليه بالاستدلال ببعض ما وصفت كما يطلب ما غاب عنه من البيت واشتبه عليه من مثل الصيد فأما من لا آلة فيه فلا يحل له أن يقول في العلم شيئا ومثل هذا إن الله شرط العدل بالشهود والعدل العمل بالطاعة والعقل للشهادة فإذا ظهر لنا هذه قبلنا شهادة الشاهد على الظاهر وقد يمكن أن يكون يستبطن خلافه ولكن لم نكلف المغيب فلم يرخص لنا إذا كنا على غير إحاطة من أن باطنه كظاهره أن نجيز شهادة من جاءنا إذا لم يكن فيه علامات العدل هذا يدل على ما دل عليه ما قبله وبين أن لا يجوز لأحد أن يقول في العلم بغير ما وصفنا قال: أفتوجد نية بدلالة مما يعرف الناس؟
فقلت نعم قال وما هي؟ قلت أرأيت الثوب يختلف في عيبه والرقيق وغيره من السلع من يريه الحاكم ليقومه قال لا يريه إلا أهل العلم به قلت لأن حالهم مخالفة حال أهل الجهالة بأن يعرفوا أسواقه يوم يرونه وما يكون فيه عيبا ينقصه ومالا ينقصه؟ قال نعم قلت ولا يعرف ذلك غيرهم؟ قال نعم قلت ومعرفتهم فيه الاجتهاد بأن يقيسوا الشئ بعضه ببعض على سوق سومها؟ قال نعم قلت وقياسهم اجتهاد لا إحاطة؟ قال نعم قلت فإن قال