ولقد نفت خبثها. وطردت عنها من ليس بأهل أن يستوطنها. فأقمت بين المصرين. وبعدت عن بركة الحرمين. ورضيت بالكوفة بدلا من المدينة.
وبمجاورة الخورنق والحيرة. عوضا عن مجاورة خاتم النبوة... " (1).
ورد أمير المؤمنين عليه في رسالة طويلة منها:... فرق بيننا وبينكم أمس أنا آمنا وكفرتم. واليوم أنا استقمنا وفتنتم. وما أسلم مسلمكم إلا كرها. وبعد أن كان أنف الإسلام كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم حربا. وذكرت أني قتلت طلحة والزبير. وشردت بعائشة. ونزلت بين المصرين. وذلك أمر غبت عنه - فلا عليك. ولا العذر فيه إليك... " (2).
وقال ابن أبي الحديد: فأما الجواب المفصل فأن يقال: إن طلحة والزبير قتلا أنفسهما ببغيهما ونكثهما. ولو استقاما على الطريقة لسلما ومن قتله الحق فدمه هدر... وأصحابنا يذهبون إلى أنهما تابا وفارقا الدنيا نادمين على ما صنعا. وكذلك نقول نحن... فهما من أهل الجنة لتوبتهما. ولولا توبتهما لكانا هالكين كما هلك غيرهما. فإن الله تعالى لا يحابي أحدا في الطاعة والتقوى.
(ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة) (3)، وأما الوعد لهما بالجنة فمشروط بسلامة العاقبة. والكلام في سلامتهما. وإذا ثبتت توبتهما فقد صح الوعد لهما وتحقق... أما أم المؤمنين عائشة فقد صحت توبتها. والأخبار الواردة في توبتها أكثر من الأخبار الواردة في توبة طلحة والزبير. لأنها عاشت زمانا طويلا. وهما لم يبقيا. والذي جرى لها كان خطأ منها. فأي ذنب لأمير المؤمنين كرم الله وجهه في ذلك؟ ولو أقامت في منزلها لم تبتذل بين الأعراب وأهل الكوفة، على أن أمير المؤمنين كرم الله وجهه أكرمها وصانها وعظم من شأنها... ولو كانت فعلت بعمر بن الخطاب ما فعلت به. وشقت عصا الأمة عليه. ثم ظفر بها. لقتلها وفرقها إربا إربا. ولكن عليا كان حليما كريما.