الكذب فيه بما حاصله: أن الوضاعين على حد تعبيره، كانوا أقساما. فمنهم من كان يضع على النبي ترفعا واستخفافا كالزنادقة وأشباههم. ومنهم من كان يضع خشية وتدينا كجهلة المتعبدين الذين وضعوا الأحاديث في الرغائب. ومنهم من كان يضع الحديث إغرابا وسمعة وتعصبا كفسقة المحدثين ومتعصبي المذاهب.
ومنهم من كان يضع الحديث تنفيذا لرغبة الحكام وطلب العذر لهم فيما ارتكبوه من الجرائم والمنكرات. ومنهم من كان يأخذ كلام العرب والصحابة وينسبه إلى الرسول لهوى في نفسه (1). ولا يمكن إغفال دور القص الذي وضعه كعب الأحبار، فالقصاصون كانت لهم مقدرة وبراعة في العرض، وخيالا واسعا في التصوير والإغراء. قل أن تجد أسطورة من أساطيرهم بدون سند يربطها بصحابي يسندها إلى النبي. وحتى لا يتسرب الشك إلى هذه الموضوعات، وتبقى عنصرا مؤثرا على العامة. ساعدت الدولة هذا الصنف وفتحت له المساجد والنوادي ووفرت لهم الهبات والعطاء.
وبعد أن دق الوضاعون أوتاد الأحاديث الموضوعة. وظهرت الأحزاب السياسية والعقائدية، لتدلي بالدلو وتحرج ما يؤيد اتجاهها الذي يتفق بصورة أو بأخرى مع اتجاه الحزب الحاكم الذي يعارض الحاكم الشرعي علي بن أبي طالب، بعد كل هذا جاء الفقهاء ووضعوا خيمة على على هذا كله، تحت عنوان " تقديس الصحابة " ومنهم من تطرف في عنوانه فقال: " تقديس أصحاب القرون الثلاثة الأولى ". وعلى فكرة تقديس الصحابة درس العلماء الحديث ووضعوا أصوله وقواعده. وهذا الاسراف بالغلو في تنزيه جميع الصحابة عن الكذب ووضعهم في مستوى القديسين والملائكة الأبرار جاء بنتائج شوهت معالم السنة، وقامت بتحصين البغاة والقتلة والمجرمين في حصن منيع لا يجوز الاقتراب منه، لأن البغاة في خيمة القديسين والملائكة الأبرار. وأصحاب اللافتة المرفوعة.
يعلمون جيدا، أن المعاصرين للنبي من الصحابة لم يكونوا في مستوى واحد، وكانوا كغيرهم من سائر الناس في مختلف العصور. فمنهم الصديقون الأبرار