وأعطى عبد الملك للحجاج الجائزة، فأقامه واليا على مكة، والمدينة، والحجاز، واليمن، واليمامة، ثم جمع له العراق بعد موت بشر بن مروان بالبصرة (1). وبدأ عبد الملك يعيد بناء البيت الذي قام برميه من فوق الجبال، ولم يدخر عبد الملك جهدا في تشييد البيت وزخرفته. وهذا كله شاهد صدق على حركة التاريخ. حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيتم قريشا قد هدموا البيت ثم بنوه فزوقوه. فإن استطعت أن تموت فمت " (2)، والدعوة إلى الموت ليست دعوة إلى الانتحار، وإنما أن تختار الموتة، التي يكون لله فيها رضا. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " كيف أنتم إذا مرج الدين، فظهرت الرغبة، واختلف الإخوان، وحرق البيت العتيق " (3). وكيف أنتم أي كيف تكون حركتكم، التي تحبون. أن ينظر الله إليكم وأنتم عليها. إنه توجيه خاص، بأجيال القرن الأول، لأن على خيرتهم ستأتي أجيال وأجيال.
وبعد أن شيد عبد الملك البيت وزوقه، أمر عبد الملك الحجاج أن يقتدي بعبد الله بن عمر في مناسك الحج (4). وروي أنه لما مات عبد الله بن عمر، صلى عليه الحجاج بن يوسف (5)، وأن عبد الملك حج في بعض أعوامه، فأمر للناس بالعطاء. فخرجت بدرة مكتوب عليها: " من الصدقة " فأبي أهل المدينة من قبولها. وقالوا: إنما كان عطاؤنا من الفئ. فقال عبد الملك: نعلم أنكم لا تحبوننا أبدا. وأنتم تذكرون يوم الحرة. نحن لا نحبكم أبدا، ونحن نذكر مقتل عثمان (6).
وعلى بساط البغض والحقد، دارت الأحداث. وفي نهايتها مات