الهدى يأخذون بالأسباب، وهم يعلمون نتائج حركتهم مسبقا، ولم يدعوهم هذا إلى الاستسلام والترهب. لما كان الغالب الأعم على هذا النحو في القرن الأول الهجري، توالت الابتلاءات من الله سبحانه لتكون حركة التاريخ، حركة صحيحة أمام كل باحث.... وفي هذه الامتحانات يضرب العذاب أقواما، ويقتل أقوام في سبيل الله، وتسير طائفة الحق شامخة، لا يضرها من خذلها، أو من عاداه، أو من ناوأها. وبعد مروان، جاء ابنه عبد الملك، الذي وصف قبل أن يولد بأنه أحد الجبابرة الأربعة وعبد الملك اختار من بين الناس الحجاج ابن يوسف الثقفي الذي وصف قبل أن يولد بأنه فتى ثقيف الذيال الميال.
وقبل أن يتقلد عبد الملك بن مروان السلطة، كان الناس يعلمون أنه سيصير خليفة (1). وذلك بعد أن وضعوا أحاديث التحذير، في دائرة التبشير. وروي أن يزيد بن معاوية قال: إن الناس يزعمون أن هذا يصير خليفة، فإن صدقوا، فقد صانعناه. وإن كذبوا، فقد وصلناه، وكان يزيد قد أعطى لعبد الملك قطعة أرض (2).
وذكر ابن كثير، أنه لما سلم على عبد الملك بالخلافة، كان في حجره مصحف فأطبقه، هذا فراق بيني وبينك (3). وقال السيوطي: عبد الملك هو أول خليفة بخل، وهو أول من غدر في الإسلام، وأول من نهى عن الكلام بحضرة الخلفاء، وأول من نهى عن الأمر بالمعروف (4). وذكر ابن كثير: أن عبد الملك كان له إقدام على سفك الدماء، وكان حازما، فطنا لأمور الدنيا لا يكل أمر دنياه إلى غيره (5). وقال المسعودي: وكان له إقدام على الدماء وكان عماله على مثل مذهبه (6). وروى صاحب الفتح الرباني: أن عبد الملك منع