إلى ما فعله عمرو بن العاص يوم التحكيم. ويعلم قبل غيره أن هذا التحكيم الذي رضيه من عمرو بن العاص لم يقبله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
الذي يعده ابن كثير من الخلفاء الراشدين. ولا ندري كيف لا يقبل خليفة راشد التحكيم ثم تقبله أمه ملتمسة العذر لابن العاص، على اعتبار أنه متأول مجتهد له أجر على اجتهاده!! أي أجر والله ذم الاختلاف وابن العاص له عمود كبير في دائرة الاختلاف.
ومن أنصف ما قرأت في هذا المقام. ما ذكره الدميري في حياة الحيوان.
روي أن معاوية عندما صار خليفة قال لأبي الأسود الدؤلي: ما كنت تصنع لو جعلك أبو تراب حكما؟ فقال: كنت أجمع ألف رجل من المهاجرين وأولادهم، وألفا من الأنصار وأولادهم. ثم أقول: يا معشر الحاضرين، أيما أحق بالخلافة رجل من المهاجرين أم رجل من الطلقاء؟ فلما سمع منه معاوية لعنه وطرده من مجلسه.
صحيح أن هذا الرأي أغضب الحاكم. لكنه فيه إنصاف، وإدخال المهاجرين والأنصار طرفا في القضية فيه روح الشورى وبعد النظر، أما أن تترك الساحة للثعالب ويلتمس لهم الأعذار فيما بعد. فهذا - في رأينا - لا يجانبه الصواب.
وقبل أن نلقي الضوء على أحداث ما بعد التحكيم، علينا أن ننظر في الأحداث منذ أن رفعت المصاحف لنرى كيف كانت حركة أمير المؤمنين. ولقد ذكرنا أن الإمام كان يعلم أنه مقتول وأن معاوية سيمتلك ما تحت قدمه من تراب. وعلى الرغم من هذا فإن الإمام ومن معه كانوا يأخذون بأسباب الحياة الكريمة، وكانوا يواجهون الانحراف الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من أجل أن يتنفس المستقبل الحرية الحقيقية وهو يخطو في اتجاه أهدافه. وحركة أمير المؤمنين في مواجهة هذه الأحداث. كانت حركة الحجة على جيل الصحابة الأوائل. لأن الشذوذ إذا تسرب من أرضية الصحابة إلى المستقبل فلن يكون في هذه الحالة شذوذا، وإنما سيكتسب الشذوذ رداء القداسة وعلى هذا لا يمكن نقده. ثم تعبر الفتن على هذه القواعد في هدوء وسكينة