المولد، وهذا التخلص هو أسمى ما يتطلع له الهنود، وذلك الطريق يتمثل بوجه خاص في قتل الشهوات والرغبات والتوقف عن عمل الخير والشر، وإذا استطاع الإنسان أن يجتاز هذا الطريق، وصل إلى الانطلاق أو النجاة أو النرفانا التي لا تختلف مدلولاتها اختلافا ذا بال، فالمدلول في الجميع هو التخلص من تكرار المولد، والحصول على اللذة الصادقة والسعادة الدائمة، ولنعد إلى النرفانا بالشرح والايضاح.
تحدثنا من قبل عن " الإشراقة والكشف عن الأسرار (1) " وذكرنا أن غوتاما وهو تحت الشجرة المقدسة، تمت له الإشراقة، وانجلت له عقدة الكون، وبوذا نفسه يصف هذه الإشراقة فيقول: كلمني صوت من داخلي قائلا:
إن الهوى هو أصل الحزن. والنفس هي التي تجلب الشقاء، وذلك أن المرء يقول دائما: أنا أنا، ويقول أيضا: زوجتي وأولادي، فهم أيضا نوع من أنا، أما من سواهم فليسوا أنا (2)، فيهوى ما يرى فيه شهوة نفسه، وإذا خاب شقى، بهذه الفكرة يذهب الناس في الدنيا كالحريق العظيم المدمر، فيؤذون ويقتلون، ويكونون لعنة على الخلق.
قال بوذا للصوت: إن قبلت قولك فهل أنال الحرية؟
فأجاب الصوت: نعم نعم، إنه يجلب لك الحرية أيها الناسك (3).
فهل هذه هي النرفانا؟ هل هي القضاء على الأنانية والتحرر من الهوى وسلطان النفس؟
نعم، هذا هو اتجاه بعض الباحثين، وعبارتهم في ذلك هي: إن شقاء الحياة وعناءها وضجرها تنبعث من رغبات النفس، وإن الإنسان يستطيع أن يكون سيد رغباته لا عبدا لها، وإن في مقدوره الافلات من هذه الرغبات بقوة الثقافة الروحية الداخلية ومحبة الآخرين (4).