الكاتب إلى ذلك كله عدة مرات من غير أن يذكر المراجع صراحة ولا مرة واحدة (إلا في 1 / 17):
ذكر الملائكة الخاطئين (2 / 4) والطوفان (2 / 5) وسدوم وعمورة (2 / 6 - 7) وبلعام بن بعور (2 / 15) والتقاليد القائلة بأن العالم خرج من الماء وبأنه سيخرب محترقا بالنار.
بين هذه الرسالة، ولا سيما ما ورد منها في 2 / 1 - 3 / 3، ورسالة يهوذا صلات واضحة وثيقة.
ففي كليهما معان يشبه بعضها البعض الآخر شبها شديدا، وكثيرا ما عبر عنها بالألفاظ نفسها، علما بأنها قليلة الاستعمال في مجمل العهد الجديد. يبدو أن الرسالتين تسلكان سبيلا واحدا، فهما تحملان حملة شديدة على المعلمين الكذابين، وقد نعتوا في كل منهما بالمستهزئين (2 بط 3 / 3 ويهو 18) وبأنهم ينطقون بأقوال فارغة (2 بط 2 / 18 ويهو 16) ويقصفون بلا حياء (2 بط 2 / 13 ويهو 12). شبهت خطيئتهم بخطيئة الملائكة الخاطئين وبخطيئة سدوم وعمورة وبلعام.
قد يكون إن رسالة بطرس الثانية ورسالة يهوذا اقتبستا، كل واحدة منفردة عن الأخرى، من نص أقدم منهما، ولكن يبدو من الثابت أن رسالة بطرس الثانية رهينة رسالة يهوذا. فنصها في كثير من فقراته يبدو مقتبسا منها، إذ وضح الكاتب على العموم فقرات رسالة يهوذا الموازية لفقراته، فحذف بعض الأمور التي يستغربها القراء القليلو الاطلاع على التقاليد المنحولة، مثل خصام رئيس الملائكة ميخائيل (يهو 9) وترك الملائكة لمنزلتهم الرفيعة والشاهد المأخوذ من أخنوخ (يهو 14). أفي رسالة بطرس الثانية تحفظ من الكتب المنحولة؟ من العسير بت هذا الأمر.
إن رسالة بطرس الثانية من جهة أخرى تثير الاعتراض على تأخر مجئ المسيح، في حين أن رسالة يهوذا تغفل هذه المسألة.
تكشف مختلف الإشارات هذه عن بيئة راسخة التأصل في التقاليد اليهودية، متأخرة في الزمن عن بيئة رسالة يهوذا، وأكثر منها انفتاحا على الهلينية، كما يظهر ذلك مما أغفل وذكر آنفا، ومن اللغة الأنيقة المستعملة، وهي لا تخلو من بعض التصنع بالاكثار المفرط من الكلمات المركبة والمتكلفة، وقد أحصيت 56 كلمة لم تستعمل إلا في هذه الرسالة وحدها. وهذه أعلى نسبة في العهد الجديد. أترى هذه الرسالة ثمر جهد رعائي للتوفيق بين الميول الانعزالية الظاهرة في رسالة يهوذا وتيارات أخرى أكثر انفتاحا كما عبر عنها في رسائل بولس؟ أتراها ناجمة عن رغبة التأليف بين ميول مختلفة في داخل الكنيسة عند أول نشأتها؟
ولما كانت هذه الرسالة قد قبلت أول الأمر في كنيسة الإسكندرية وتعرضت للشك في صحتها في كنيسة سورية، نميل إلى الاقتراح أنها تعود إلى بيئة مسيحية يهودية من بيئات الشتات الهليني.
[كاتب الرسالة وتاريخها] قال الكاتب إنه سمعان بطرس الرسول (1 / 1). يدرك القارئ عفوا أن الرسالة الأولى المذكورة في 3 / 1 هي رسالة بطرس الأولى. يضاف إلى ذلك أن الكاتب يذكر أنه كان حاضرا لما تجلى الرب (1 / 16) وأنبأ آخر الأمر أن موته قريب (1 / 14).
لا يزال الرأي القائل أن كاتب الرسالة هو سمعان بطرس موضوعا للنقاش يثير كثيرا من المتاعب.