وقد قام لوقا بجهد كبير في معالجته للمواد التي تلقاها من التقليد. ولقد رأينا ذلك في " الترتيب " الذي أخضعها له تأليف كتابه. وإننا نتبينه أيضا حين نقابل مواده بما يوازيها عند متى ومرقس.
فمفردات لوقا تظهر فيها أكثر تنوعا وهي أغنى ما من مفردات في أسفار العهد الجديد كلها. ولغته تنسجم بسلاسة مع مختلف موضوعاته، ويونانيته أصح على العموم من يونانية مرقس في الروايات التي يلتقيان فيها وفي بعض الفقرات التي اعتنى بها عناية خاصة (1 / 1 - 4 و 24 / 13 - 35). ومع كل ذلك فهو يكثر من العبارات السامية في نصوص كثيرة ينفرد بها. ولا سيما في ما ورد على لسان يسوع من أقوال، وهو يأخذ كثيرا من عبارات العهد القديم اليوناني ولا سيما في روايات الطفولة التي يعدها الكثيرون تقليدا أدبيا حقيقيا.
يظهر ميله إلى الوضوح بأنه يجعل للفقرات استهلالا يبرزها (3 / 15 و 4 / 1 و 5 / 1 و 12 و 17 و 36..) أو بالدلالة على نهايتها بخاتمة (3 / 18 و 20 و 5 / 15 - 16 و 9 / 36 و 43..) وكثيرا ما يجمع الأمثال اثنين اثنين (13 / 18 - 21 و 14 / 28 - 32 و 15 / 4 - 10) أو الحكم (4 / 25 - 27 و 11 / 31 - 32 و 13 / 1 - 5 و 17 / 26 - 30 و 34 - 35)، ولكن هذه التجميعات قد تعود غالبا إلى مراجعه.
يظهر فن لوقا على الخصوص في بساطة إشارته، فهي تدل بكلمة على ما في موقف ما من طابع مؤثر (2 / 7 و 7 / 12 و 8 / 42 و 9 / 38..)، كما أنه يظهر أيضا في روعة روايات كروايات نائين (7 / 11 - 17) والخاطئة (7 / 36 - 50) ولص اليمين (23 / 40 - 43) ولقاء عماوس (24 / 13 - 35)، وأمثال كأمثال السامري الشفوق (10 / 30 - 37) والابن الضال (15 / 11 - 32). ونعومته مستمرة لا سيما حين يتكلم على شخص يسوع، فهو يجتنب ما يرد أحيانا عند مرقس من عبارات خشنة (لو 4 / 1 و 8 / 24 و 28 و 45..) ويجعل على لسان التلاميذ عبارة خاصة يخاطبون بها المعلم.
[بعض الشواهد على أصل الإنجيل الثالث] لا يمكن الجزم في أصل هذا الإنجيل دون البحث في ما ورد في كتاب أعمال الرسل وهو يرتبط به ارتباطا وثيقا. فلا بد هنا من الاقتصار على جميع الموارد التي نجدها في كتاب لوقا الأول.
إن النقاد كثيرا ما يعتمدون، في تحديد زمن تأليف هذا الكتاب، على المكان الذي يحتله خراب أورشليم وعلى كيفية انفصال ذلك الحدث عن النظرة الأخيرية التي يربطه بها متى ومرقس. يبدو أن لوقا قد عاصر حصار المدينة وخرابها وعرف كيف قامت بهما جيوش طيطس سنة 70 (راجع 19 / 43 - 44 و 21 / 20 و 24). فيكون الإنجيل لاحقا لهذا التاريخ. فالنقاد غالبا ما يحددون تأليفه بين السنة 80 و 90، ومنهم من يجعلون له تاريخا أقدم.
إن الكتاب مرفوع إلى تاوفيلس، ولكنه موجه خاصة، من خلال هذا الرجل، إلى مسيحيين ذوي ثقافة يونانية. على هذا الأمر عدة أدلة، فهناك لغته وتعليقاته على جغرافية فلسطين (1 / 26 و 2 / 4 و 4 / 31 و 8 / 26 و 23 / 51 و 24 / 13) وعلى العادات اليهودية (1 / 9 و 2 / 23 - 24