إلا على ما هو حقه من المقدمات البديهية لدى العقل والعقلاء، ولم أجادل عموم النصارى وألزمهم في جامعة دينهم، والنصرانية التي عندهم إلا بما تسالموا إلهاميته وصدوره عن الوحي، وهي كتب العهدين التي ذكرنا أنهم متفقون في هذه القرون على نسبتها إلى الوحي والإلهام، وشرحنا أسماءها في المقدمة الأولى، ولم أباحثهم خبطا بإزاء آحاد مفسريهم وعلمائهم، أو آحاد تقاليدهم التي لا توجب في دينهم علما أو يأبى صحتها أغلبهم ".
وتمهيدا لهذه الطريقة الحكيمة التي التزم بها في مباحثة هؤلاء المعاندين العاندين (1) قدم المقدمات الضرورية، وقعد القواعد الأساسية التي بنى عليها ما يعجز حملة التوراة والأناجيل من الحجج والبراهين المستمدة من أسفارهم، فقد جادل أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم وخاطبهم بلسانهم ولغتهم، ورموز مصطلحاتهم، ومن جملة موضوعات الجزء الأول من هذا الكتاب الحفيل بالحقائق الناصعة: سيرة بني إسرائيل والملة النصرانية، سيرة بني إسرائيل وتقلبهم في الشرك، وسيرة أصحاب المسيح وتلاميذه، والمعلمين في النصرانية واضطرابهم واختلافهم، ولا حجة بكتب العهدين، وشهادة بعضها على بعض بالتحريف، ومنها:
رسالة النبي " ص " والغاية المطلوبة منها، وعصمته في العقل والنقل والاعتراضات على العصمة وأجوبتها، وفي نسبة المعاصي إلى الأنبياء والجواب عليها وشؤون الأنبياء مع أقوامهم وموقف القرآن من تنزيههم، وفلسفة القرآن في القذف، وفي المعجز والمعجزات والعهد الجديد يعارض دعوى المسيح " ع " ومنها: الأناجيل تنسب التناقض للمسيح وحاشاه من ذلك، وفي حقيقة النسخ في التوراة والإنجيل والقرآن، الناسخ والمنسوخ في شريعة نوح، دفع الاعتراضات على القرآن من حيث العربية والعلوم الأخرى من بلاغية وتاريخية وفلكية وغير ذلك من الفنون القرآنية العجيبة الباهرة.