ففي عاشر يوحنا 41 أن يوحنا " المعمدان " لم يفعل آية واحدة مع أنه عن قول المسيح نبي وأعظم من نبي " مت 11: 9 ولو 7: 26 " ومرسل من الله " يو 1: 6 " وليس في الناس نبي أعظم منه " لو 7: 28 " وكان جميع الشعب من بني إسرائيل ما عدا من كان يأكل الدنيا باسم الدين واثقين بأنه نبي " انظر لو 20: 6 ومر 11: 32 "، وأن إيمانهم لا بد أن يكون على أحد الوجهين إما لأجل نص أبيه زكريا عليه بأنه نبي الله العلي " لو 1: 76 ". وإما لأجل ما كان عليه يوحنا من تهذيب الأخلاق واجتماع صفات الكمال وحسن جده واجتهاده في خدمة الله وإرشاده عباده إلى الهدى والتوبة والطاعة وكونه القدوة في جميع الكمالات وشرف النفس وطهارته العفة.
وأن كثيرا من أنبياء العهد القديم قد أذعن الناس بنبوتهم وأصغوا إلى تبليغهم عن الله، مع أنه لم يذكر في العهدين أن ذلك كان مقترنا بعفل المعجز أو النص المشخص اللذين هما حجة أيضا على الرسالة فتصفح العهدين في حال صموئيل، وداود وسليمان، واشعيا، وارميا، وحزقيال، وهوشع، ويوئيل، وعاموس، وعوبديا، ويونان، وميخا، وناحوم، وحبقوق، وصفنيا، وحجى، وزكريا، وملاخي.
وتبصر في أن العهدين قد ذكرا من غير هؤلاء جملة من الأنبياء واستقصيا في ذكر معجزاتهم.
فإن قلت: إن الكثير أو الكل من هؤلاء المذكورين قد ذكر العهدان في شأنهم أنهم قد تنبأوا عن الوحي بأمور من الغيب فوقعت في المستقبل على نحو ما أخبروا وهذا من نحو المعجز.
قلت: لماذا نسيت إن الحجة التي هي محل الكلام إنما هو ما كان مقتضيا لتصديق الناس في أول أمر التبليغ وطلب التصديق وإن الذي تذكره لو صح فإنما ينكشف كونه معجزا بعد وقوع ما أخبروا به على طبق الخبر وإن البعض الكثير مما تشير إليه إنما تبين صدقه بمقتضى العهدين وانتفى عنه احتمال الكذب بعد موت النبي الذي أخبر به بمدة أو بمآت من السنين، والبعض الآخر إنما تبين صدقه بمقتضى العهدين وانتفى عنه احتمال الكذب بعد سنين من أول