وأما ما ذكر في شأنه ففي القرآن الكريم في سورة ص 29 (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب 30 إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد 31 فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارث بالحجاب 32 ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق).
قال المتكلف " يه 1 ج ص 43 "، قد ورد في القرآن ما يفيد أنه اشتغل بالأمور الدنيوية التي ألهته عن عبادة الله - والآيات دالة على أن الخيل ألهته عن الصلاة.
أقول: لا ينبغي أن ينكر أن اقتناء سليمان للخيل واختياره لأحوالها كان من الخير الراجح، لأن اقتناءها كان بمقتضى الحال لتثبيت مملكة الإيمان والاستعداد لدفاع طغيان الوثنيين وعدوانهم، وربما يدل عليه قوله أحببت حب الخير فلا وجه للقطع بأنه كان من اللهو الدنيوي كما توهمه المتكلف بل هو على ما ذكرناه نحو من أنحاء العبادة ومقدمات المحافظة على الموحدين والجهاد في سبيل الله، ومن أين في دلالة الآيات ما يفيد أنه اشتغل بالنظر إلى الخيل عن عبادة واجبة حتى فات وقتها ليكون قد أذنب وفعل قبيحا. فلماذا لم يحتمل المتكلف أن ذكر الرب في الآية كان من التسابيح المندوبة التي يجوز تركها وإن كان عمدا فضلا عن الاشتغال عنها بخير آخر، ولكنها لما كانت من وظائف سليمان المعتادة في ذلك الوقت أسف على فوات وظيفتها بسبب ما يمكن تحويله إلى وقت آخر.
ويمكن أن يكون معنى باقي الآيات إن لم يكن هو الظاهر منها أن سليمان رد الخيل إلى محالها ليدرك وقت الوظيفة من الذكر المعتاد له، ولما توارت بالحجاب وفات وقت الوظيفة قال: ردوا الخيل علي ليعود إلى الخير الأول فطفق يمسح بسوقها وأعناقها لأحد أمرين: إما لأنه أحب أن يتواضع لله ويعمل عمل المتولين لخدمة الخيل وسواسها، وإما لأن يتآلفها ليتمكن منها وتجري على إرادته عند الركوب، وكيف كان فإن قول الله جل اسمه عند صدر القصة في شأن سليمان " نعم العبد إنه أواب "، مانع عن حملها على وجه يقتضي وقوع سليمان في المعصية.