رب العالمين وأمره بأن يرسل معه بني إسرائيل ألقى عليه فرعون جملة من الكلام تتضمن أمرين " أحدهما " الامتنان عليه بتربيتهم وإيوائهم له " وثانيهما " التهكم على دعواه الرسالة وإنكارها بأنهم هم الذين ربوه من الطفولية ولبث فيما بينهم سنين من عمره وآخر أمره كفر نعمتهم وفعل فعل الأشرار فقتل منهم نفسا فمتى جاءته النبوة فأجاب موسى عليه السلام بما معناه إني في آخر مكثي معكم حينما فعلت الفعلة وقتلت النفس لم أكن رسولا بل كنت من الضالين عن هدى الرسالة إلى الحق اليقين، ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين.
وأما التربية والمكث بينكم فقد كان ذلك من آثار استعبادكم القاسي لقومي المؤمنين أولاد الأنبياء، فتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل " انظر سورة الشعراء 15 - 22 "، وهب أن ما ذكرناه مع وضوحه احتمالا في الآيات والواقعة، فلماذا لا يمنع المتكلف من أن يقول جازما إن قتل موسى للقبطي لم يكن مباحا ولم يكن خطأ بل كان قتل عمد وعدوان.
وقال الله تعالى في سورة الشعراء حكاية عن موسى لما أرسله إلى فرعون 11 (قال رب إني أخاف أن يكذبون 12 ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون 13 ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون 14 قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون).
فقال المتكلف " يه 1 ج ص 14 " إن هذا يدل على أنه لما أمر الله موسى اعتذر عن التوجه بسبب العقدة التي في لسانه وقتله أحد المصريين فطلب من المولى أن يرسل إلى أخيه هارون بأن يبلغ الرسالة والقصة مأخوذة من التوراة وإنما دأب القرآن الاستخفاف بالخطايا فلم يذكر غضب الله على موسى كما ذكرته التوراة، فموسى ترك الأفضل.
أقول: ليس في الآيات شئ من الدلالة على اعتذار موسى عن التوجه إلى ما أرسل إليه، وإنما كان كلامه هذا حرصا على حصول الغرض من رسالته وطلبا لليقين بحصوله بإبداء الموانع منه، ولم يطلب تحويل الرسالة عنه إلى هارون إذ لا دلالة في قوله: أرسل إلى هارون على طلب الاستبدال به بل غاية