وفضيلة العفو وجميل الصبر.
فلا يصح في القانون الأساسي في النبوة العامة أن يعلم بمحض الصرامة والشدة في أعمال القصاص بدون إشارة إلى فضيلة العفو كما جرى في التوراة الرائجة حيث علمت بالقصاص كما في الفصل الحادي والعشرين من سفر الخروج والرابع والعشرين من سفر اللاويين والتاسع عشر من سفر التثنية ولم تشر إلى العفو ولا إلى فضيلته كما لا يصح أن يعلم بمثل ما ذكرناه في الإنجيل الرائج من رفض شريعة التوراة في القصاص مع التعليم بهذا الخضوع الواهي والمسكنة السخيفة بهذه المبالغة.
العفو ونظام الاجتماع والقرآن القس: يا عمانوئيل هل رأيت في كتب الوحي قانونا معقولا في هذا المقام.
عمانوئيل. يا سيدي هذا القرآن الذي ينسبه المسلمون إلى الوحي ويرفضه أصحابنا. ها هو قد حاز الفضيلة في هذا المقام. فقد شرع القصاص وأبان حكمته الفائقة في المدنية والاجتماع. وندب إلى فضيلة العفو والصبر بالنحو الصالح فقال في الآية السابعة والعشرين بعد المائة من سورة النحل المكية: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) وقال في الآية التاسعة والسبعين بعد المائة من سورة البقرة: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) فإن قوله (حياة) يستلفت العقول الغافلة إلى حكمة القصاص وشريعته، وأنه وإن كان أيلاما للمعتدي لكنه أيلام بحق، وسبب لزجر الأشرار عن الجرأة على سفك الدماء البريئة والافساد في حياة البشر، فهو بهذه الحكمة حياة للبشر وروح لراحتهم في اجتماعهم. فمن الهين أن يموت شخص المعتدي الظالم أو يتألم بشريعة القصاص كما يقطع العضو الفاسد حفظا لحياة الانسان من عدوى وباء دائه.