وجده ميثم بن المعلا فإن ميمه مفتوحة الدراية ومن شعره قدس الله روحه قوله:
طلبت فنون العلم أبغي بها العلا * فقصر بي عما سموت به القل تبيين لي أن العلوم بأسرها * فروع وأن المال فيها هو الأصل (1)
(١) أجاب (ره) بهذه القطعة الفضلاء من أهل الحلة، لأنه كان قد كتب إليه بعضهم كتابا يحتوي على قدحه وملامته لانزوائه عن الناس وتركه إياهم فقال في كتابه:
(العجب منك مع شدة مهارتك في جميع العلوم والمعارف وحذاقتك في تحقيق الحقائق وإبداع اللطائف قاطن في ظلول الاعتزال ومخيم في زاوية الخمول الموجب لخمود نار الكمال...) فكتب في جوابهم هذا البيت:
طلبت فنون العلم أبغي بها العلى * فقصر بي عما سموت به القل تبين لي أن المحاسن كلها * فروع وأن المال فيها هو الأصل فلما وصل إليهم الكتاب، كتبوا إليه: (إنك أخطأت في ذلك خطأ ظاهرا وحكمك بأصالة الماء عجب)، فكتب في جوابهم هذه الأسطر وهي لبعض الشعراء:
قد قال قوم بغير علم *: ما المرء إلا بأكبريه فقلت قول امرء حكيم *: ما المرء إلا بدرهميه من لم يكن درهم لديه * لم تلتفت عرسه إليه ثم إنه (ره) لما رأى أن المراسلات لا تنفع عزم العراق لزيارة الأئمة (ع) وفي أحد الأيام لبس أخشن ثيابه وأرثها ودخل بعض المدارس المشحونة بالعلماء فسلم عليهم فرد عليه بعض ولم يجبه آخرون، فجلس في صف النعال ولم يلتفت إليه أحد، فدار بين العلماء البحث عن مسألة عويصة ومشكلة كانت من مزال الأقدام فأجاب عنها بتسعة أجوبة دقيقة جميلة. فتوجه إليه بعضهم مستهزء وقال له: (يا خليلك أخالك طالب علم...) ثم بعد ذلك أحضروا الطعام ولم يطعموه بل أفردوا له بشئ قليل من الطعام في صحن واجتمعوا هم على المائدة، فلما انقضى المجلس قام وعاد في اليوم التالي إليهم وقد لبس ملابس فاخرة بهية لها أكمام واسعة وعلى رأسه عمامة كبيرة فلما قرب منهم سلم عليهم، فقاموا تعظيما له واستقبلوه تكريما به واجتهدوا في توقيره وأجلسوه في صدر المجلس المشحون بالعلماء والأفاضل والمحققين ولما شرعوا في البحث تكلم معهم بكلمات عليلة لا وجه لها فقابلوا كلماته العليلة بالتحسين وأذعنوا له على وجه التعظيم، ثم حضرت المائدة فبادروا إليه بأنواع الطعام باحترام وأدب، فألقى الشيخ (قدس الله روحه) كمه في ذلك الطعام وقال:
(كل يا كمي، كل يا كمي)، تعجب واستغرب الحاضرون من فعله هذا ثم استفسروه عن معنى ذلك الخطاب، فقال (ره): (إنكم أتيتموني بهذه الأطعمة النفيسة لأجل أكمامي الواسعة لا لنفسي القدسية اللامعة وإلا فأنا صاحبكم بالأمس لم أر منكم تكريما ولا تعظيما مع أني جئتكم بهيئة الفقراء وسجية العلماء واليوم جئتكم بلباس الجبارين وتكلمت بكلام الجاهلين فقد رجحتم الجهالة على العلم والغنى على الفقر وأنا صاحب الأبيات التي في أصالة المال وفرعية الكمال التي أرسلتها وعرضتها عليكم فقابلتموها بالتخطئة وزعمتم انعكاس القضية).
فاعترفت الجماعة بالخطأ في تخطأتها إليه واعتذرت بما صدر عنها من التقصير في شأنه.
انتهى ما نقلته عن كتاب (ذرايع البيان - ق 1 ج 2 ص 112) لمؤلفه آية الله الوالد دام ظله. (المصحح)