إليه أهل الدين بل أهل الملل الثلاث من اليهود والنصارى والمسلمين من أن العالم - بمعنى ما سوى الله وصفاته وأسمائه - حادث.. أي موجود بعد أن لم يكن بعدية حقيقية وتأخرا زمانيا، لا ذاتيا فقط، بمعنى أنه مفتقر إلى الغير متأخر عنه في حد ذاته، كما هو شأن كل ممكن بحسب حدوثه الذاتي وهو لا استحقاقية الوجود ولا عدم من نفسه.
ومنهم، وإن كان ممن التزم دين الإسلام لكنه يعتقد قدم العالم، ويظن أن ما ورد في الشريعة والقرآن واتفق عليه أهل الأديان في باب الحدوث للعالم، إنما المراد منه مجرد الحدوث الذاتي والافتقار إلى الصانع.
وذلك القول في الحقيقة تكذيب للأنبياء من حيث لا يدري، ولا يخلص قائله، ولا يأمن من التعذيب العقلي والحرمان الأبدي، لأن الجهل في الأصول الإيماني إذا كان مشعوفا بالرسوخ يوجب العذاب الروحاني في دار المآب.
ثم تأويل ما ورد في نصوص الكتاب والسنة إنما هو لقصور العقول عن الجمع بين قواعد الملة الحنيفة والحكمة الحقيقة، وإلا فألفاظ الكتاب والسنة غير قاصرة عن إفادة الحقائق وتصوير العلوم والمعارف المتعلقة بأحوال المبدأ والمعاد حتى يحتاج إلى الصرف عن الظاهر للأقاويل وارتكاب التجوز البعيد والتأويل.
وهكذا فعله أبو نصر فارابي في مقالة التي في الجمع بين الرأيين والتوفيق بين مذهبي الحكيمين أفلاطون وأرسطو، حيث حمل الحدوث الزماني الوارد في كلام أفلاطون حسب ما اشتهر منه ودلت عليه الألفاظ المأثورة منه على الحدوث الذاتي، وهذا من قصور في البلوغ إلى شأوا الأقدميين