الإضافة المعنوية باعتبار العهد هو الأصل، وفيما نحن فيه توجد قرينة على العهد، وهي قوله: أتخلفني في النساء والصبيان، يعني: إنه كما أن هارون كان خليفة لموسى حين توجهه إلى الطور، كذلك صار الأمير خليفة للنبي صلى الله عليه وسلم حين توجه إلى غزوة تبوك.
والاستخلاف المقيد بهذا القيد لا يكون باقيا بعد انقضائها، كما لم يبق في حق هارون أيضا.
ولا يجوز أن يقال بأن انقطاع هذا الاستخلاف عزل موجب للإهانة في حق الخليفة. لأن انقطاع العمل وانتهاء أمده ليس بعزل، والقول بأنه عزل خلاف العرف واللغة.
ولا تكون صحة الاستثناء دليلا للعموم إلا إذا كان الاستثناء متصلا، وهو ههنا منقطع بالضرورة، لأن قوله: " إنه لا نبي بعدي " جملة خبرية، وقد صارت تلك الجملة بتأويلها إلى المفرد بدخول إن، في حكم " إلا عدم النبوة " وظاهر أن عدم النبوة ليس من منازل هارون حتى يصح استثناؤه، لأن المتصل يكون من جنس المستثنى منه وداخلا فيه، والنقيض لا يكون من جنس النقيض وداخلا فيه، فثبت أن هذا المستثنى منقطع جدا.
ولأن من جملة منازل هارون كونه أسن من موسى، وأفصح منه لسانا، وكونه شريكا معه في النبوة، وكونه شقيقا له في النسب، وهذه المنازل غير ثابتة في حق الأمير بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم إجماعا، فإن جعلنا الاستثناء متصلا وحملنا المنزلة على العموم لزم الكذب في كلام المعصوم.
الثاني: إنا لا نسلم أن الخلافة بعد موت موسى كانت من جملة منازل هارون، لأن هارون كان نبيا مستقلا في التبليغ، ولو عاش بعد موسى أيضا لكان كذلك، ولم تزل عنه هذه المرتبة قط، وهي تنافي الخلافة، لأنها نيابة النبي، ولا