واستقبلهم وقال: من أنتم؟ قال إصطخر: أنا رسول إليك من صاحب قنسرين، وقد غدرتم ونقضتم. قال أبو عبيدة: وما سبب نقضنا لصلحكم؟ ومن نقض؟
قال: نقضه الذي فقأ عين ملكنا. فقال أبو عبيدة: وحق رسول الله ما علمت بذلك، وسوف أسأل عن ذلك.
قال: ثم نادى أبو عبيدة في العرب: يا معاشر العرب، من فقأ عين التمثال فليخبرنا عن ذلك! قال أبو جندلة بن سهيل بن عمرو: أنا فعلت ذلك من غير تعمد. فما الذي يرضيك منا؟ قالت الأعلاج: لا نرضى حتى نفقأ عين ملككم - يريدون بذلك لينظروا إلى وفاء ذمة المسلمين - فقال أبو عبيدة: فها أنا، اصنعوا بي مثل ما صنع بصورتكم. قالوا: لا نرضى بذلك، ولا نرضى إلا بملككم الأكبر الذي يلي العرب كلها. قال أبو عبيدة: إن عين ملكنا أمنع من ذلك، قال: وغضب المسلمون إذ ذكروا عين عمر رضي الله عنه وهموا بقتلهم، فنهاهم أبو عبيدة عن ذلك. فقال المسلمون: نحن دون إمامنا، نفديه بأنفسنا، ونفقأ عيوننا دونه. فقال إصطخر عندما نظر إلى المسلمين قد هموا بقتله: لا نفقأ عينه ولا عيونكم، لكن نصور صورة أميركم على عمود، ونصنع به مثل الذي صنعتم بصورة ملكنا. فقال المسلمون: إن صاحبنا ما صنع ذلك إلا من غير تعمد، وأنتم تريدون العمد.
فقال أبو عبيدة: مهلا يا قوم، فإذا رضي القوم بصورتي فأنا أجيبهم إلى ذلك، لا نغدر ولا يتحدث القوم، إنا عاهدنا ثم غدرنا، فإن هؤلاء القوم لا عقل لهم. ثم أجابهم أبو عبيدة إلى ذلك. قال: فصورت الروم مثل صورة أبي عبيدة على عمود له عينان من الزجاج، فأقبل رجل منهم حنقا وفقأ عين الصورة برمحه، ثم رجع إصطخر إلى صاحب قنسرين، فأخبره بذلك. فقال لقومه: بهذا الأمر تم لهم ما يريدون " (1).