أما بعد فإن الله عز وجل وله الحمد قد أبلاكم أيها المؤمنون فأحسن البلاء عندكم، وصدقكم الوعد وأعزكم بالنصر، وأراكم في كل موطن ما تسرون به، وقد سار إليكم عدوكم من المشركين بعدد كثير، ونفروا إليكم فيما حدثني عيون نفير الروم الأعظم، فجاؤكم برا وبحرا حتى خرجوا إلى صاحبهم بأنطاكية، ثم قد وجه إليكم ثلاثة عساكر في كل عسكر منها ما لا يحصيه إلا الله من البشر، وقد أحببت ألا أغركم من أنفسكم وأن لا أطوي عنكم خبر عدوكم، ثم تشيرون علي برأيكم وأشير عليكم برأي، فإنما أنا كأحدكم.
فقام يزيد بن أبي سفيان فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه ثم قال له: نعم ما رأيت رحمك الله، إذ لم تكتم عنا ما أتاك من عدونا وأنا مشير عليك، فإن كان صوابا فذاك ما نويت، وإن لم يكن الرأي غير ما أشير به فإني لا اعتمد غير ما يصلح المسلمين. أرى أن تعسكر على باب مدينة حمص بجماعة المسلمين، وتدخل النساء والأبناء والأولاد داخل المدينة ثم تجعل المدينة في ظهورنا، ثم تبعث إلى خالد بن الوليد فيقدم عليك من دمشق، وتبعث إلى عمرو ابن العاص فيقدم عليك من الأردن وأرض فلسطين، فتلقاهم بجماعة من معك من المسلمين.
وقام شرحبيل بن حسنة، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه ثم قال: أما بعد فإن هذا مقام لا بد فيه من النصيحة للمسلمين، وإن خالف الرجل منا أخاه فإنما على كل امرئ منا أن يجهد نفسه ورأيه للمسلمين في النصيحة، وأنا الآن فقد رأيت غير ما رأى يزيد وهو - والله - عندي من الناصحين لجماعة المسلمين، ولكن لا أجد بدا من أن أشير عليكم بما أظنه خيرا للمسلمين، إني لا أرى أن تدخل ذراري المسلمين مع أهل حمص وهم على دين عدونا هذا الذي أقبل إلينا من المشركين، ولا آمن إن وقع بيننا وبينهم من الحرب ما نتشاغل به أن ينقضوا عهدنا وأن يثبوا على ذرارينا، فيتقربون بهم إلى عدونا.
فقال له أبو عبيدة: إن الله قد أذلهم لكم، وسلطانكم أحب إليهم من