بيته إلا سيفه وترسه ورحله، فقال له عمر: ألا اتخذت ما اتخذ أصحابك! فقال:
يا أمير المؤمنين: هذا يبلغني المقيل. أخرجه في الصفوة والفضائل، وزاد بعد قوله يأتيك الآن: فجاء على ناقة مخطومة بحبل.
وفي رواية: إن عمر قال له: إذهب بنا إلى منزلك. قال: وما تصنع! ما تريد إلا أن ينغص عيشك علي. قال: فدخل منزله فلم ير شيئا. قال: أين متاعك فإني لا أرى إلا لبدا وصحفة وسيفا وأنت أمير!! أعندك طعام؟ فقام أبو عبيدة إلى جونة فأخذ منها كسرات. فبكى عمر. فقال له أبو عبيدة: قد قلت لك سينغص عيشك علي يا أمير المؤمنين، يكفيك ما يبلغك المقيل. فقال عمر: غرتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة " (1).
(الوجه الرابع) لو سلمنا هذا الحديث فلا يتم للعاصمي مقصوده، لأنه إن أراد من اختصاص أبي عبيدة بالأمانة عدم اتصاف أحد غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصفة الأمانة، فإن بطلانه في غاية الوضوح والظهور.
وإن أراد من ذلك أن اتصاف أبي عبيدة بتلك الصفة أكثر وأشد من اتصاف غيره من الصحابة بها، فهذا أيضا في غاية البطلان، إذ لا يصدق عاقل من المسلمين أن يكون اتصافه أكثر من اتصاف نفس رسول الله أمير المؤمنين عليه السلام، وسائر الأصحاب الأطياب أمثال سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار بتلك الصفة.
وأيضا، فإن من البعيد التزام أهل السنة بكون أبي عبيدة أكثر أمانة من الشيخين، وإن احتملنا التزامهم بذلك بالنسبة إلى الثالث لاشتهاره بالخيانة في مال الله وحقوق المسلمين.
وعلى كل حال فلا مزية لأبي عبيدة على سائر الأصحاب في صفة الأمانة، وحينئذ كيف يجوز جعله باب النبي صلى الله عليه وآله في الأمانة، وأحد أبواب مدينة العلم؟!