قال: " ثم خذ من أول الأمر، فإنه سبحانه لما قال (إني جاعل في الأرض خليفة) فلما قالت الملائكة (أتجعل فيها من يفسد فيها) قال سبحانه (إني أعلم ما لا تعلمون) فأجابهم سبحانه بكونه عالما، فلم يجعل سائر صفات الجلال من القدرة والإرادة والسمع والبصر والوجوب والقدم والاستغناء عن المكان والجهة جوابا لهم وموجبا لسكوتهم، وإنما جعل صفة العلم جوابا لهم، وذلك يدل على أن صفات الجلال والكمال وإن كانت بأسرها في نهاية الشرف إلا أن صفة العلم أشرف من غيرها.
ثم إنه سبحانه إنما أظهر فضل آدم عليه السلام بالعم، وذلك يدل أيضا على أن العلم أشرف من غيره.
ثم إنه سبحانه لما أظهر علمه جعله مسجود الملائكة وخليفة العالم السفلي، وذلك يدل على أن تلك المنقبة إنما استحقها آدم عليه السلام بالعلم.
ثم إن الملائكة افتخرت بالتسبيح والتقديس، والافتخار بهما إنما يحصل لو كانا مقرونين بالعلم، فإنهما إن حصلا بدون العلم كان ذلك نفاقا، والنفاق أخس المراتب، قال تعالى: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) أو تقليدا والتقليد مذموم فثبت أن تسبيحهم وتقديسهم إنما صار موجبا للافتخار ببركة العلم " (1).
وقال بتفسير (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم.) " إعلم أن هذا هو النعمة الرابعة من النعم العامة على جميع البشر، وهو أنه سبحانه وتعالى جعل أبانا مسجود الملائكة، وذلك لأنه تعالى ذكر تخصيص آدم بالخلافة أولا، ثم تخصيصه بالعلم الكثير ثانيا، ثم بلوغه في العلوم إلى أن صارت الملائكة عاجزين عن بلوغ درجته في العلم، وذكر الآن كونه مسجودا للملائكة " (2).