عمر مولى عقدة قال: سمعت أيوب بن صفوان يذكر عن جابر بن عبد الله قال:
خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس من كان يحب أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده، فإن الله ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه، وإن لله سرايا من الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر، فاغدوا وروحوا في ذكر الله، ألا فارتعوا في رياض الجنة. قالوا: وأين رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: مجالس الذكر فاغدوا وروحوا في ذكر الله وذكروه بأنفسكم.
فمنزلة الله عند العبد إنما هو على قلبه على قدر معرفته إياه وعلمه وهيبته منه وإجلاله له، وتعظيمه والحياء منه والخشية منه والخوف من عقابه والوجل عند ذكره وإقامة الحرمة لأمره ونهيه، وقبول منته وروية تدبيره، والوقوف عند أحكامه وطيب النفس بها، والتسليم له بدنا وروحا وقلبا، ومراقبة تدبيره في أموره ولزوم ذكره والنهوض بأثقال نعمه وإحسانه، وترك مشياته لمشياته، وحسن الظن به في كل ما نابه.
والناس في هذه الأشياء على درجات يتفاضلون، فمنازلهم عند ربهم على قدر حظوظهم من هذه الأشياء، وإن الله تبارك اسمه أكرم المؤمنين بمعرفته، فأوفرهم حظا من المعرفة أعلمهم به، وأعلمهم بهم أوفرهم حظا من هذه الأشياء، وأوفرهم حظا منها أعظمهم منزلة عنده، وأرفعهم درجة وأقربهم وسيلة، وعلى قدر نقصانه من هذه الأشياء ينتقض حظه وينحط درجته وتبعد وسيلته ويقل علمه به وتضعف معرفته إياه ويسقم إيمانه ويملكه نفسه. قال الله تبارك اسمه (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا) فإنما فضل الخلق بالمعرفة له والعلم به لا بالأعمال، واليهود والنصارى وسائر أهل الملل قد علموا أعمال الشريعة فصارت هنا هباء منثورا، فبالمعرفة تزكو الأعمال، وبها تقبل منهم، وبها تطهر الأبدان فمن فضل بالمعرفة فقد أوتي حظا من العلم به، ومن فضل بالعلم به يكون هذه الأشياء التي وصفنا موجودة عنده " (1).