هذا المعنى: إن كل أمير فإنه مزيته على قدر رعيته، فالأمير الذي تكون إمارته على قرية تكون إمارته ومزيته بقدر تلك القرية، ومن ملك الشرق والغرب احتاج إلى أموال وذخائر أكثر من أموال تلك القرية، فكذلك كل رسول بعث إلى قومه فأعطي من كنوز التوحيد وجواهر المعرفة على قدر ما حمل من الرسالة، فالمرسل إلى قومه في طرف مخصوص من الأرض إنما يعطى من هذه الكنوز الروحانية بقدر ذلك الموضع، والمرسل إلى كل أهل الشرق والغرب - إنسهم وجنهم - لا بد وأن يعطى من المعرفة بقدر ما يمكنه أن يقوم بسعيه بأمور أهل الشرق والغرب.
وإذا كان كذلك كان نسبة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلى نبوة سائر الأنبياء كنسبة كل المشارق والمغارب إلى ملك بعض البلاد المخصوصة، ولو كان كذلك لا جرم أعطي من كنوز الحكمة والعلم ما لم يعط أحد قبله، فلا جرم بلغ في العلم إلى الحد الذي لم يبلغه أحد من البشر قال تعالى في حقه: (فأوحى إلى عبده ما أوحى) وفي الفصاحة إلى أن قال: أوتيت جوامع الكلم، وصار كتابه مهيمنا على الكتب وصارت أمته خير الأمم " (1).
وقال ابن حجر المكي في (المنح المكية) بشرح قول البوصيري:
" لك ذات العلوم من عالم * الغيب ومنها لآدم الأسماء ".
قال "... واحتاج الناظم إلى هذا التفصيل مع العلم به مما قبله، لأن آدم ميزه الله تعالى على الملائكة بالعلوم التي علمها له، وكانت سببا لأمرهم بالسجود والخضوع له، بعد استعلائهم عليه بذمة ومدحهم أنفسهم بقولهم (أتجعل فيها من يفسد) الخ، فربما يتوهم أن هذه المرتبة الباهرة لم تحصل لنبينا صلى الله عليه وسلم، إذ قد يوجد في المفضول ما ليس في الفاضل، فرد ذلك التوهم ببيان أن آدم عليه الصلاة والسلام لم يحصل له من العلوم إلا مجرد العلم بأسمائها، وأن الحاصل لنبينا صلى الله عليه وسلم هو العلم بحقائقها ومسمياتها، ولا ريب أن