قلت: إن الذي يمنع عنه هو ما سبق التحدث فيه مفصلا في المحاورة السابقة، حيث تساءلنا - ونحن نتحدث عن عصمة أهل البيت (عليهم السلام) - عن مصادر المعرفة لحقائق الإسلام في عصر الصحابة، وانتهينا إلى أنهما الكتاب والسنة، وقلنا: إن الكتاب - وإن دون على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) وحفظ - إلا أنه لم يحط بجميع خصائص التشريع، ومن هنا احتجنا إلى السنة لبيان ما أجمل فيه، والتعرض لمختلف القيود والشرائط والموانع المعتبرة في أحكامه، مما لم يتعرض لها بشئ من التفصيل ثم التعرف على الأحكام التي لم يذكرها الكتاب العزيز.
وقلنا: إن السنة لم تدون على عهده ولم يلزم هو بتدوينها وتنسيقها بضم القيود إلى مطلقاتها والمخصصات إلى عموماتها، فالإحاطة بها وبكل ما يتصل في شؤونها تكاد تكون ممتنعة لدى غير أهل البيت (عليهم السلام) حيث أودعها (صلى الله عليه وآله) لديهم وألزم بالرجوع إليهم بأمثال أحاديث الباب والثقلين كما سبقت الإشارة إليه.
على أني لا أعرف أحدا من الصحابة قد ادعى لنفسه المعرفة المستوعبة سواء منهم الخلفاء أم غيرهم، بل رأيت فيهم من يحتاج إلى أن يدل على معنى آية في كتاب الله، ومن يجمع الصحابة لاستشارتهم في حكم من الأحكام يجهل واقعه، وما أكثر ما أرسل الخليفة عمر قولته المشهورة لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن. (1) قال أحدهم: ألا ترى أن هذا منتهى الحرص والمحافظة على أحكام الشريعة من قبل هؤلاء الخلفاء، وإلا لما كانت أية ضرورة للاستفسار من قبل الإمام والصحابة عما يجهلون من أحكام.