الواقع المحسوس - فيما يكون له واقع محسوس منها، ويلتمسون مدى انسجامها معه، ثم ينطلقون من وراء ما ينتهون إليه إلى الحكم على صحة الدليل وعدمه.
وقد كانت لي محاولة - عندما كنت مدرسا لمادة التأريخ الإسلامي - في كلية الفقه - أن أجعل من وسائل النقد المضموني لبعض الأحاديث عرضها على طبيعة زمنها، ثم بيئتها، ثم الشخص الذي قيلت فيه، فإن انسجمت معها جميعا أمنت بصحتها، إذا لم يكن في أسانيدها ما يوجب التوقف.
وكأنك - يا أخي - تريد أن تشير إلى نفس هذا المقياس في إيمانك بهذه الأحاديث.
ومثل أدلة عصمة أهل البيت (عليهم السلام) آيات وأحاديث إذا كان فيها مجال لتردد ما من قبل بعض من عاصروا ولادتها، حيث أنها افترضت في الأئمة واقعا لم يخضع إذ ذاك لتجربة كاملة، فهي أشبه بالتحدث عن عوالم الغيب، فلا يقتضي أن يظل التردد قائما بعد أن أخذ الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) واقعا تاريخيا عرضهم في مختلف مجالات السلوك والمعرفة، وبوسع الباحث أن يقطع تردده بدراسة سيرهم، والحكم لهم أو عليهم، على ضوء ما ينتهي إليه.
والشئ الذي وددت التنبيه عليه أن التأريخ لم يكن في يوم ما ملكا لهم ولشيعتهم وأتباعهم يسيرونه كيفما يريدون، وإنما كان - كشأنه في أي عصر - ملكا للفئة الحاكمة تسيره كيف ما تريد.
ونحن نعلم أن أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يشكلون في جميع أدوار حياتهم جبهة المعارضة للسلطة الزمنية، المعارضة الشريفة التي لا يمكن أن تهادن على منكر تراه، كما لا تبخل في إرسال كلمة معروف في مشورة أو سلوك.