أن الله تعالى كما فرض أحكام التوراة على قوم موسى كذلك هي مفروضة على قوم عيسى، وأن يتعبدوا بموجبها بنص قول المسيح (وكلما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه) وأراد بذلك ما في التوراة إذ ليس لهم كتاب أحكام غيره، وهذا مسلم لا جدال ولا خلاف فيه فيكون قول بولس: (نعبد بجدة الروح لا يعتق الحرف) حديثا مفترى وكلاما لا يتبع، ثم إن المسيح نهى قومه ان يعملوا بأعمال بني إسرائيل التي تخالف أحكام التوراة، لأنهم فسروها كما قال المسيح بصورة عسرة ثقيلة التحمل فوق طاقة البشر بل أمرهم أن يعملوا بموجبها وذلك بأن يفسروا مشكلها بصورة حسنة ممكنة التحمل ويعملوا بها، وفي الحقيقة أن اليهود كما قال عنهم المسيح شددوا فشدد الله عليهم، وكلفوا الأمة بحمل ما هو فوق طاقتهم، لان أحدهم ربما يحترق يوم السبت فلا يطفئ ما يحترق منه ولا يستعين بيهودي في ذلك وقد أخذوا هذا الحكم من عدم جواز ايقاد النار يوم السبت، ويفطر أحدهم إلى القوت فلا يشتريه لتحريمهم البيع والشراء في السبت والبلاء كل البلاء أنهم يمنعون الفقراء من العمل في السبت مع اضطرارهم إلى العمل فيه لحاجة القوت، وقد ترقوا في التشديد حتى حكموا بعدم مداواة المرضى ومراجعة الأطباء في يوم السبت، ومن هذا القبيل تحريمهم أكل اللحم مع اللبن أو الدهن، وتحريم من يجلس مع الخطاة والعشارين، وتحريم الاكل بلا غسل اليد...
فجميع هذا جعلوه محرما، وليس في التوراة ما يدل على ذلك.