وحسبنا حجة على هذا قوله عز من قائل: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين، لاقتضائه فرض المسح على الأرجل أنفسها. فمن أين جاء المسح على الخفين؟ أنسخت هذه الآية؟ أم هي من المتشابهات؟ كلا بل هي - إجماعا وقولا واحدا - من المحكمات اللاتي هن أم الكتاب، وقد أجمع المفسرون (1) على أن لا منسوخ في سورة المائدة المشتملة على آية الوضوء إلا آية واحدة هي: " يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله " إذ قال بعضهم بنسخها دون ما سواها من آيات تلك السورة المباركة.
أما الأخبار الدالة على الترخيص بالمسح على الخفين فلم يثبت منها شئ على شرطنا، وقد دلنا على وهنها مضافا إلى ذلك أمور:
أحدها: أنها جاءت مخالفة لكتاب الله عز وجل، والمأثور عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإلا فردوه (2).
ثانيها: أنها جاءت متعارضة في أنفسها ولذا كثر الاختلاف بين مصححيها العاملين على مقتضاها كما علمته مما أشرنا إليه قريبا. فإنهم إنما تعارضوا في أقوالهم لتعارضها إذ هي مستندهم في تلك الأقوال (3).